مَبْهُوتُونَ. وَمَحَلُّ الْمَوْعِظَةِ مِنَ الْآيَةِ: أَنَّ الْمَرْءَ لَا يَطْلُبُ أَمْرًا حَتَّى يُفَكِّرَ فِي عَوَاقِبِهِ، وَيَسْبُرَ مِقْدَارَ تَحَمُّلِهِ لِمَصَائِبِهِ. وَمَحَلُّ الْمَعْذِرَةِ فِي قَوْلِهِ: مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ وَقَوله: مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ وَقَوْلِهِ: فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَمَحَلُّ الْمُلَامِ فِي قَوْلِهِ: وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ بِمَعْنَى تَتَمَنَّوْنَ مَوْتَ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ رَأَيْتُمْ مُشَارَفَةَ الْمَوْتِ إِيَّاكُمْ، وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ مَنْ مَاتَ مِنْ إِخْوَانِكُمْ، أَيْ فَكَيْفَ وَجَدْتُمْ أَنْفُسَكُمْ حِينَ رَأَيْتُمُ الْمَوْتَ، وَكَأَنَّهُ تَعْرِيضٌ بِهِمْ بِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمَقَامِ مَنْ يَتَمَنَّى الشَّهَادَةَ. إِذْ قَدْ جَبُنُوا وَقْتَ الْحَاجَةِ، وَخَفُّوا إِلَى الْغَنِيمَةِ، فَالْكَلَامُ مَلَامٌ مَحْضٌ عَلَى هَذَا، وَلَيْسَ تَمَنِّي الشَّهَادَةِ بِمَلُومٍ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ اللَّوْمَ على تمنّي مَا لَا يَسْتَطِيعُ كَمَا قيل: (إِذْ لَمْ تَسْتَطِعْ شَيْئًا فَدَعْهُ) . كَيْفَ وَقَدْ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ أَحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أَحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ»
. وَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ» وَقَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ:
لكنّني أسأَل الرّحمان مَغْفِرَةً ... وَضَرْبَةً ذَاتَ فَرْغٍ تَقْذِفُ الزَّبَدَا
حَتَّى يَقُولُوا إِذَا مَرُّوا عَلَى جَدَثِي ... أَرْشَدَكَ اللَّهُ مِنْ غَازٍ وَقَدْ رَشَدَا
وَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ فَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْمَوْتِ، بِمَعْنَى أَسْبَابِهِ، تَنْزِيلًا لِرُؤْيَةِ أَسْبَابِهِ مَنْزِلَةَ رُؤْيَتِهِ، وَهُوَ كَالِاسْتِخْدَامِ، وَعِنْدِي أَنَّهُ أَقْرَبُ مِنَ الِاسْتِخْدَامِ لِأَنَّهُ عَادَ إِلَى أَسْبَابِ الْمَوْتِ بِاعْتِبَارِ تَنْزِيلِهَا منزلَة الْمَوْت.
[١٤٤]
[سُورَة آل عمرَان (٣) : آيَة ١٤٤]
وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (١٤٤)
عُطِفَ الْإِنْكَارُ عَلَى الْمَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ [آل عمرَان: ١٤٢] وَقَوْلِهِ: وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ [آل عمرَان: ١٤٣] وَكُلُّ هَاتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute