للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة آل عمرَان (٣) : الْآيَات ٢٦ إِلَى ٢٧]

قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٢٧)

اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ الْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّعْرِيضُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ بِأَنَّ إِعْرَاضَهُمْ إِنَّمَا هُوَ حَسَدٌ على زَوَال النبوءة مِنْهُمْ، وَانْقِرَاضِ الْمُلْكِ مِنْهُمْ، بِتَهْدِيدِهِمْ وَبِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ فِي أَنَّهُ لَا عَجَبَ أَن تنْتَقل النبوءة مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الْعَرَبِ، مَعَ الْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّ الشَّرِيعَةَ الْإِسْلَامِيَّةَ شَرِيعَةٌ مُقَارِنَةٌ لِلسُّلْطَانِ وَالْمُلْكِ.

واللَّهُمَّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ خَاصٌّ بِنِدَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدُّعَاءِ، وَمَعْنَاهُ يَا اللَّهُ. وَلَمَّا كَثُرَ حَذْفُ حَرْفِ النِّدَاءِ مَعَهُ قَالَ النُّحَاةُ: إِنَّ الْمِيمَ عِوَضٌ مِنْ حَرْفِ النِّدَاءِ يُرِيدُونَ أَنَّ لِحَاقَ الْمِيمِ بِاسْمِ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ لَمَّا لَمْ يَقَعْ إِلَّا عِنْدَ إِرَادَةِ الدُّعَاءِ صَارَ غَنِيًّا عَنْ جَلْبِ حَرْفِ النِّدَاءِ اخْتِصَارًا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمِيمَ تُفِيدُ النِّدَاءَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمِيمَ عَلَّامَةُ تَنْوِينٍ فِي اللُّغَةِ الْمَنْقُولِ مِنْهَا كَلِمَةُ (اللَّهُمَّ) مِنْ عِبْرَانِيَّةٍ أَوْ قَحْطَانِيَّةٍ وأنّ أَصْلهَا لَا هم مُرَادِفُ إِلَهٍ.

وَيدل على هَذَا أَنَّ الْعَرَبَ نَطَقُوا بِهِ هَكَذَا فِي غَيْرِ النِّدَاءِ كَقَوْلِ الْأَعْشَى:

كَدَعْوَةٍ مِنْ أَبِي رَبَاحٍ ... يَسْمَعُهَا اللَّهُمُ الْكَبِيرُ

وَأَنَّهُمْ نَطَقُوا بِهِ كَذَلِكَ مَعَ النِّدَاءِ كَقَوْلِ أَبِي خِرَاشٍ الْهُذَلِيِّ:

إِنِّي إِذا مَا حدت أَلَمَّا ... أَقُولُ يَا اللَّهُمَّ يَا اللَّهُمَّا

وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ يَا اللَّهُ كَثِيرًا. وَقَالَ جُمْهُورُ النُّحَاةِ: إِنَّ الْمِيمَ عِوَضٌ عَنْ حَرْفِ النِّدَاءِ الْمَحْذُوفِ وَإِنَّهُ تَعْوِيضٌ غَيْرُ قِيَاسِيٍّ: وَإِنَّ مَا وَقَعَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ شُذُوذٌ. وَزَعَمَ الْفَرَّاءُ أَنَّ اللَّهُمَّ مُخْتَزَلٌ مِنِ اسْمِ الْجَلَالَةِ وَجُمْلَةٍ أَصْلُهَا «يَا اللَّهُ أُمَّ» أَيْ أَقْبِلْ عَلَيْنَا بِخَيْرٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ تَكَلُّفٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ.