وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيّ: حق للمقذوف. وَيَتَرَتَّب عَلَى الْخِلَافِ سُقُوطُهُ بِالْعَفْوِ مِنَ الْمَقْذُوفِ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ فِي حَدِّ الْفِرْيَةِ وَالْقَذْفِ الَّذِي كَانَ أَوَّلُ ظُهُورِهِ فِي رَمْيِ الْمُحْصَنَاتِ بِالزِّنَى. فَكُلُّ رَمْيٍ بِمَا فِيهِ مَعَرَّةٌ مُوجِبٌ لِلْحَدِّ بِالْإِجْمَاعِ الْمُسْتَند للْقِيَاس.
[٦- ٩]
[سُورَة النُّور (٢٤) : الْآيَات ٦ إِلَى ٩]
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٧) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (٨) وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٩)
هَذَا تَخْصِيصٌ للعمومين الَّذين فِي قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ [النُّور: ٤] فَإِنَّ مِنَ الْمُحْصَنَاتِ مَنْ هُنَّ أَزْوَاجٌ لِمَنْ يَرْمِيهِنَّ، فَخُصَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ مِنْ حُكْمِ قَوْلِهِ: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ إِلَخْ إِذْ عُذِرَ الْأَزْوَاجُ خَاصَّةً فِي إِقْدَامِهِمْ عَلَى الْقَوْلِ فِي أَزْوَاجِهِمْ بِالزِّنَى إِذَا لَمْ يَسْتَطِيعُوا إِثْبَاتَهُ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ.
وَوَجْهُ عُذْرِهِمْ فِي ذَلِكَ مَا فِي نُفُوسِ النَّاسِ مِنْ سَجِيَّةِ الْغَيْرَةِ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ وَعَدَمِ احْتِمَالِ رُؤْيَةِ الزِّنَى بِهِنَّ فَدَفَعَ عَنْهُمْ حَدَّ الْقَذْفِ بِمَا شَرَعَ لَهُمْ مِنَ الْمُلَاعَنَةِ.
وَفِي هَذَا الْحُكْمِ قَبُولٌ لِقَوْلِ الزَّوْجِ فِي امْرَأَتِهِ فِي الْجُمْلَةِ إِذَا كَانَ مُتَثَبِّتًا حَتَّى إِنَّ الْمَرْأَةَ بَعْدَ أَيْمَانِ زَوْجِهَا تُكَلَّفُ بِدَفْعِ ذَلِكَ بِأَيْمَانِهَا وَإِلَّا قُبِلَ قَوْلُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute