للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَوْ تَذْكِيرٌ بِأَنَّ الرَّازِقَ هُوَ اللَّهُ، فَابْتِغَاءُ الرِّزْقِ مِنْهُ يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِالْعِبَادَةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ عَطْفُ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ. وَقَدْ سَلَكَ إِبْرَاهِيمُ مَسْلَكَ الِاسْتِدْلَالِ بِالنِّعَمِ الْحِسِّيَّةِ لِأَنَّ إِثْبَاتَهَا أَقْرَبُ إِلَى أَذْهَانِ الْعُمُومِ.

وعِنْدَ ظَرْفُ مَكَانٍ وَهُوَ مُجَازٌ. شَبَّهَ طَلَبَ الرِّزْقِ مِنَ اللَّهِ بِالْبَحْثِ عَنْ شَيْءٍ فِي مَكَانٍ يَخْتَصُّ بِهِ فَاسْتُعِيرَ لَهُ عِنْدَ الدَّالَّةُ عَلَى الْمَكَانِ الْمُخْتَصِّ بِمَا يُضَافُ إِلَيْهِ الظَّرْفُ.

وَعُدِّيَ الشُّكْرُ بِاللَّامِ جَرْيًا عَلَى أَكْثَرِ اسْتِعْمَالِهِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لِقَصْدِ إِفَادَةِ مَا فِي اللَّامِ مِنْ مَعْنَى الِاخْتِصَاصِ أَيِ الِاسْتِحْقَاقِ.

وَلَامُ التَّعْرِيفِ فِي الرِّزْقَ لَامُ الْجِنْسِ الْمُفِيدَةُ لِلِاسْتِغْرَاقِ بِمَعُونَةِ الْمَقَامِ، أَيْ فَاطْلُبُوا كُلَّ رِزْقٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ مِنَ اللَّهِ دُونَ غَيْرِهِ. وَالْمُعَرَّفُ بِلَامِ الْجِنْسِ فِي قُوَّةِ النَّكِرَةِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ: فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ رِزْقًا، وَلِذَلِكَ لَمْ تَكُنْ إِعَادَةُ لَفْظِ الرِّزْقِ بِالتَّعْرِيفِ مُقْتَضِيَةً كَوْنَهُ غَيْرَ الْأَوَّلِ، فَلَا تَنْطَبِقُ هُنَا قَاعِدَةُ النَّكِرَةِ إِذَا أُعِيدَتْ مُعَرَّفَةً كَانَتْ عَيْنَ الْأُولَى.

وَجُمْلَةُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ تَعْلِيلٌ لِلْأَمْرِ بِعِبَادَتِهِ وَشُكْرِهِ، أَيْ لِأَنَّهُ الَّذِي يُجَازِي عَلَى ذَلِكَ ثَوَابًا وَعَلَى ضِدِّهِ عِقَابًا إِذْ إِلَى اللَّهِ لَا إِلَى غَيْرِهِ مَرْجِعُكُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَفِي هَذَا إدماج تَعْلِيل بِالْعبَادَة بِإِثْبَات الْبَعْث.

[١٨]

[سُورَة العنكبوت (٢٩) : آيَة ١٨]

وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٨)

يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ بَقِيَّةِ مَقَالَةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنْ يَكُونَ رَأَى مِنْهُمْ مَخَائِلَ التَّكْذِيبِ فَفَرَضَ وُقُوعَهُ، أَوْ يَكُونَ سَبَقَ تَكْذِيبُهِمْ إِيَّاهُ مَقَالَتَهُ هَذِهِ، فَيَكُونُ الْغَرَضُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ لَازِمَ الْخَبَرِ وَهُوَ أَنَّ تَكْذِيبَهُمْ إِيَّاهُ لَيْسَ بِعَجِيبٍ فَلَا يَضِيرُهُ وَلَا يَحْسَبُوا أَنَّهُمْ يَضِيرُونَهُ بِهِ وَيَتَشَفَّوْنَ مِنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ قَدِ انْتَابَ الرُّسُلَ قَبْلَهُ مِنْ أُمَمِهِمْ، وَلِذَلِكَ أَجْمَعَ الْقُرَّاءُ عَلَى قِرَاءَةِ فِعْلِ تُكَذِّبُوا بِتَاءِ الْخِطَابِ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ اخْتِلَافَهُمْ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ [العنكبوت: ١٩] إِلَخْ.