[سُورَة النُّور (٢٤) : الْآيَات ٤ إِلَى ٥]
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)
كَانَ فَاشِيًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ رَمْيُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا بِالزِّنَى إِذَا رَأَوْا بَيْنَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ تَعَارُفًا أَوْ مُحَادَثَةً.
وَكَانَ فَاشِيًا فِيهِمُ الطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ بُهْتَانًا إِذَا رَأَوْا قِلَّةَ شَبَهٍ بَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ، فَكَانَ مِمَّا يَقْتَرِنُ بِحُكْمِ حَدِّ الزِّنَى أَنْ يُذَيَّلَ بِحُكْمِ الَّذِينَ يرْمونَ الْمُحْصنَات بالزنى إِذَا كَانُوا غَيْرَ أَزْوَاجِهِنَّ وَهُوَ حَدُّ الْقَذْفِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ الِاقْتِرَانِ بِالْفَاءِ فِي قَوْلِهِ: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا [النُّور: ٢] الْآيَةَ.
وَالرَّمْيُ حَقِيقَتُهُ: قَذْفُ شَيْءٍ مِنَ الْيَدِ. وَشَاعَ اسْتِعْمَالُهُ فِي نِسْبَةِ فِعْلٍ أَوْ وَصْفٍ إِلَى شَخْصٍ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً
فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [١١٢] . وَحُذِفَ الْمَرْمِيُّ بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِظُهُورِ الْمَقْصُودِ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ وَذِكْرِ الْمُحْصَنَاتِ.
وَالْمُحْصَنَاتُ: هُنَّ الْمُتَزَوِّجَاتُ مِنَ الْحَرَائِرِ. وَالْإِحْصَانُ: الدُّخُولُ بِزَوْج بِعقد نِكَاح.
وَالْمُحْصَنُ: اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ أَحْصَنَ الشَّيْءَ إِذَا مَنَعَهُ مِنَ الْإِضَاعَةِ وَاسْتِيلَاءِ الْغَيْرِ عَلَيْهِ، فَالزَّوْجُ يُحَصِّنُ امْرَأَتَهُ، أَيْ يَمْنَعُهَا مِنَ الْإِهْمَالِ وَاعْتِدَاءِ الرِّجَالِ. وَهَذَا كَتَسْمِيَةِ الْأَبْكَارِ مُخَدَّرَاتٍ وَمَقْصُورَاتٍ، وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ. وَلَا يُطْلَقُ وَصْفُ الْمُحْصَناتِ إِلَّا عَلَى الْحَرَائِرِ الْمُتَزَوِّجَاتِ دُونَ الْإِمَاءِ لِعَدَمِ صِيَانَتِهِنَّ فِي عُرْفِ النَّاسِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ.
وَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ الشَّهَادَةِ لِظُهُورِ أَنَّهُمْ شُهَدَاءٌ عَلَى إِثْبَاتِ مَا رَمَى بِهِ الْقَاذِفُ، أَيْ إِثْبَاتُ وُقُوعِ الزِّنَى بِحَقِيقَتِهِ الْمُعْتَدِّ بِهَا شَرْعًا، وَمِنَ الْبَيِّنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute