للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْقُرْآنَ جَاءَ لِلنَّاسِ بِالِاسْتِدْلَالِ وَبِالتَّخْوِيفِ ثُمَّ سَجَّلَ عَلَى هَذَا الْفَرِيقِ بِأَنَّهُ لَا تَنْجَعُ فِيهِ الْآيَاتُ وَالْأَدِلَّةُ وَلَا النُّذُرُ وَالْمُخَوِّفَاتُ.

وَلَفْظُ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ يُفِيدُ أَنَّ انْتِفَاءَ الْإِيمَانِ عَنْهُمْ وَصْفٌ عُرِفُوا بِهِ وَأَنَّهُ مُسْتَقِرٌّ مِنْ نُفُوسِهِمْ، لِأَنَّ اجْتِلَابَ لَفْظِ قَوْمٍ هُنَا مَعَ صِحَّةِ حُلُولِ غَيْرِهِ مَحَلَّهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْوَصْفَ الْمَذْكُورَ بَعْدَهُ مِنْ مُقَوِّمَاتِ قَوْمِيَّتِهِمْ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ خَصَائِصِهِمْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قِيلَ: عَمَّنْ لَا يُؤْمِنُونَ. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ الْعَنْبَرِيِّ:

قَوْمٌ إِذَا الشَّرُّ أَبْدَى نَاجِذِيهِ لَهُمْ ... طَارُوا إِلَيْهِ زَرَافَاتٍ وَوُحْدَانَا

أَيْ قَوْمٌ هَذِهِ سَجِيَّتُهُمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِلَى قَوْلِهِ: لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٦٤] . وَتَقَدَّمَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ غَيْرَ مَرَّةٍ آنِفًا. وَهُوَ هُنَا أَبْدَعُ لِأَنَّهُ عُدِلَ بِهِ عَنِ الْإِضْمَارِ. وَهَذَا مِنْ بَدَائِعِ الإعجاز هُنَا.

[١٠٢، ١٠٣]

[سُورَة يُونُس (١٠) : الْآيَات ١٠٢ إِلَى ١٠٣]

فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (١٠٢) ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٣)

تَفْرِيعٌ عَلَى جُمْلَةِ مَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ [يُونُس: ١٠١] بِاعْتِبَارِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ ذِكْرِ النُّذُرِ. فَهِيَ خِطَابٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ يَتَفَرَّعُ عَلَى انْتِفَاءِ انْتِفَاعِهِمْ بِالْآيَاتِ وَالنُّذُرِ وَعَلَى إِصْرَارِهِمْ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُمْ: مَاذَا يُنْتَظَرُونَ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُمْ مَا يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ مَا حَلَّ بِمَنْ قَبْلَهُمْ مِمَّنْ سِيقَتْ قَصَصُهُمْ فِي الْآيَاتِ الْمَاضِيَةِ، وَوَقع الِاسْتِفْهَام بهل

لِإِفَادَتِهَا تَحْقِيقَ السُّؤَالِ وَهُوَ بِاعْتِبَار تَحْقِيق الْمَسْئُول عَنْهُ وَأَنَّهُ جَدِيرٌ بِالْجَوَابِ بِالتَّحْقِيقِ.