للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمَاذَا بِمَعْنَى مَا الَّذِي، و (مَا) اسْتِفْهَام، و (ذَا) أَصْلُهُ اسْمُ إِشَارَةٍ، وَهُوَ إِذَا وَقَعَ بَعْدَ (مَا) قَامَ مَقَامَ اسْمٍ مَوْصُولٍ. وفِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَائِمٌ مَقَامَ صِلَةِ الْمَوْصُولِ.

وَأَصْلُ وَضْعِ التَّرْكِيبِ: مَا هَذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، أَيْ مَا الْمُشَارُ إِلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَكَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ حَتَّى صَارَ فِي مَعْنَى: مَا الَّذِي. وَالْمَقْصُودُ: انْظُرُوا مَا يَدُلُّكُمْ عَلَى جَوَابِ هَذَا الِاسْتِفْهَامِ، فَكُلُّ شَيْءٍ لَهُ حَالَةٌ فَهُوَ مُرَادٌ بِالنَّظَرِ الْعَقْلِيِّ بِتَرْكِيبِهِ فِي صُورَةِ مَفْعُولَيْنِ، نَحْوَ: انْظُرُوا الشَّمْسَ طَالِعَةً، وَانْظُرُوا السَّحَابَ مُمْطِرًا، وَهَكَذَا، وَكُلُّ شَيْءٍ هُوَ فِي ذَاتِهِ آيَةٌ فَهُوَ مُرَادٌ بِالنَّظَرِ الْبَصَرِيِّ نَحْوَ: انْظُرُوا إِنْبَاتَ الْأَرْضِ بَعْدَ جَدْبِهَا فَهُوَ آيَةٌ عَلَى وُقُوعِ الْبَعْثِ. فَ (ذَا) لَمَّا قَامَ مَقَامَ اسْمِ الْمَوْصُولِ صَارَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ تَشْمَلُ جَمِيعَ الْأَجْرَامِ وَأَعْرَاضِهَا الدَّالَّةِ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ، وَأَخَصُّ ذَلِكَ التَّأَمُّلُ فِي خُلُقِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَشْأَةِ دَعْوَتِهِ، وَالنَّظَرِ فِيمَا جَاءَ بِهِ. فَكُلُّ ذَلِكَ دَلَائِلُ عَلَى كَمَالِهِ وَصِدْقِهِ.

وَقَدْ طُوِيَ فِي الْكَلَامِ جَوَابُ الْأَمْرِ لِوُقُوعِ الْأَمْرِ عَقِبَ أَسْبَابِ الْإِيمَانِ، فَالتَّقْدِيرُ:

انْظُرُوا تَرَوْا آيَاتٍ مُوصِلَةٍ إِلَى الْإِيمَانِ.

وَجُمْلَةُ: وَما تُغْنِي الْآياتُ مُعْتَرِضَةٌ ذُيِّلَتْ بِهَا جُمْلَةُ: انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُتَمِّمَةً لِمَقُولِ الْقَوْلِ مِمَّا أَمَرَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَهُ لَهُمْ وَيَجُوزَ أَنْ تَكُونَ اسْتِئْنَافَ كَلَامٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَالْمَعْنَى أَبْلِغْهُمْ مَا أُمِرْتَ بِتَبْلِيغِهِ إِلَيْهِمْ وَلَيْسَتْ تُغْنِي الْآيَاتُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ، أَيِ الَّذِينَ جَعَلَ اللَّهُ نُفُوسَهُمْ لَا تُؤْمِنُ، وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ:

انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مُفِيدًا أَنَّ ذَلِكَ آيَاتٌ كَمَا تَقَدَّمَ حَسُنَ وَقْعُ التَّعْبِيرِ عَنْهَا بِالْآيَاتِ هُنَا، فَمَعْنَى وَما تُغْنِي الْآياتُ: وَمَا يُغْنِي مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ، فَكَانَ التَّعْبِيرُ بِالْآيَاتِ كَالْإِظْهَارِ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ. وَزِيدَتِ (النُّذُرُ) فَعُطِفَتْ عَلَى الْآيَاتِ لِزِيَادَةِ التَّعْمِيمِ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ حَتَّى تَكُونَ أَوْسَعَ دَلَالَةٍ مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا لِتَكُونَ كَالتَّذْيِيلِ لَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ