[سُورَة النَّحْل (١٦) : آيَة ١٠٧]
ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (١٠٧)
هَذِهِ الْجُمْلَةُ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ عَنِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَإِشَارَةُ ذَلِكَ إِلَى مَضْمُونِ قَوْلِهِ فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ [سُورَة النَّحْل: ١٠٦] .
وَضَمِيرُ بِأَنَّهُمُ عَائِدٌ إِلَى مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ [سُورَة النَّحْل: ١٠٦] سَوَاء كَانَ مَا صدق مَنْ مُعَيَّنًا أَوْ مَفْرُوضًا عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ.
وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، فَمَدْخُولُهَا سَبَبٌ.
واسْتَحَبُّوا مُبَالَغَةٌ فِي (أَحَبُّوا) مِثْلَ اسْتَأْخَرَ وَاسْتَكَانَ. وَضَمَّنَ (اسْتَحَبُّوا) معنى (فضّلوا) فعدي بِحَرْفِ (عَلَى) ، أَيْ لِأَنَّهُمْ قَدَّمُوا نَفْعَ الدُّنْيَا عَلَى نَفْعِ الْآخِرَةِ، لِأَنَّهُمْ قَدِ اسْتَقَرَّ فِي قُلُوبِهِمْ أَحَقِّيَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَا رَجَعُوا عَنْهُ إِلَّا خَوْفَ الْفِتْنَةِ أَوْ رَغْبَةً فِي رَفَاهِيَةِ الْعَيْشِ، فَيَكُونُ كُفْرُهُمْ أَشَدَّ مَنْ كُفْرِ الْمُسْتَصْحِبِينَ لِلْكُفْرِ مِنْ قَبْلِ الْبَعْثَةِ.
وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ سَبَبٌ ثَانٍ لِلْغَضَبِ وَالْعَذَابِ، أَيْ وَبِأَنَّ اللَّهَ حَرَمَهُمُ الْهِدَايَةَ فَهُمْ مُوَافُونَهُ عَلَى الْكُفْرِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ [سُورَة النَّحْل: ١٠٤] .
وَهُوَ تَذْيِيلٌ لِمَا فِي صِيغَةِ الْقَوْمَ الْكافِرِينَ مِنَ الْعُمُومِ الشَّامِلِ لِلْمُتَحَدَّثِ عَنْهُمْ وَغَيْرِهِمْ، فَلَيْسَ ذَلِكَ إِظْهَارًا فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ وَلَكِنَّهُ عُمُومٌ بَعْدَ خُصُوصٍ.
وَإِقْحَامُ لَفْظِ (قَوْمَ) لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ هَذَا شَأْنُهُمْ فَقَدْ عُرِفُوا بِهِ وَتَمَكَّنَ مِنْهُمْ وَصَارَ سَجِيَّةً حَتَّى كَأَنَّهُمْ يَجْمَعُهُمْ هَذَا الْوَصْفُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ جَرَيَانَ وَصْفٍ أَوْ خَبَرٍ عَلَى لَفْظِ (قَوْمَ) يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ مِنْ مُقَوِّمَاتِ قَوْمِيَّتِهِمْ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ فِي سُورَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute