للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَلِكَةِ سَبَأٍ فَسَّرَتْ بِهَا وَبِمَا بَعْدَهَا مَضْمُونَ كِتابٌ فِي قَوْلِهَا: أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ.

وأَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ يَكُونُ هُوَ أَوَّلَ كِتَابِ سُلَيْمَانَ، وَأَنَّهَا حِكَايَةٌ لِكَلَامِ بِلْقِيسَ. قَالَ فِي «الْكَشْفِ» يَتَبَيَّنُ أَنَّ قَوْلَهُ: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ بَيَانٌ لِعُنْوَانِ الْكِتَابِ وَأَنَّ قَوْلَهُ: وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِلَخْ بَيَانٌ لِمَضْمُونِ الْكِتَابِ فَلَا يَرِدُ سُؤَالُ كَيْفَ قَدَّمَ قَوْلَهُ: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ عَلَى إِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. وَلَمْ تَزَلْ نَفْسِي غَيْرَ مُنْثَلِجَةٍ لِهَذِهِ الْوُجُوهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَيَخْطُرُ بِبَالِي أَنَّ مَوْقِعَ (أَنْ) هَذِهِ اسْتِعْمَالٌ خَاصٌّ فِي افْتِتَاحِ الْكَلَامِ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ الْمُتَكَلِّمُ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ. وَأَنَّهَا الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ. وَقَدْ رَأَيْتُ فِي بَعْضِ خُطَبِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِافْتِتَاحَ بِ (أَنْ) فِي ثَانِي خُطْبَةٍ خَطَبَهَا بِالْمَدِينَةِ فِي «سِيرَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ» . وَذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ: أَنِ الْحَمْدُ، مَضْبُوطٌ بِضَمَّةٍ عَلَى تَقْدِيرِ ضَمِيرِ الْأَمْرِ وَالشَّأْنِ. وَلَكِنَّ كَلَامَهُ جَرَى عَلَى أَنَّ حَرْفَ (إِنَّ) مَكْسُورُ الْهَمْزَةِ مُشَدَّدُ النُّونِ. وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ الْهَمْزَةَ مَفْتُوحَةٌ وَأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لِ (أَنِ) الْمُخَفَّفَةِ مِنَ الثَّقِيلَةِ فِي افْتِتَاحِ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ وَأَنَّ مِنْهُ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [يُونُس: ١٠] .

وأَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ نَهْيٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّهْدِيدِ وَلِذَلِكَ أَتْبَعَتْهُ مَلِكَةُ سَبَأٍ بِقَوْلِهَا: يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي [النَّمْل: ٣٢] .

[٣٢]

[سُورَة النَّمْل (٢٧) : آيَة ٣٢]

قالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ (٣٢)

سَأَلَتْهُمْ إِبْدَاءَ آرَائِهِمْ مَاذَا تَعْمَلُ تُجَاهَ دَعْوَةِ سُلَيْمَانَ. وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا مِثْلُ الَّتِي قَبْلَهَا.

وَالْإِفْتَاءُ: الْإِخْبَارُ بِالْفَتْوَى وَهِيَ إِزَالَةُ مُشْكِلٍ يَعْرِضُ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ فِي سُورَةِ يُوسُفَ [٤١] .

وَالْأَمْرُ: الْحَالُ الْمُهِمُّ، وَإِضَافَتُهُ إِلَى ضَمِيرِهَا لِأَنَّهَا الْمُخَاطَبَةُ بِكِتَابِ سُلَيْمَانَ وَلِأَنَّهَا الْمُضْطَلِعَةُ بِمَا يَجِبُ إجراؤه من شؤون الْمَمْلَكَةِ وَعَلَيْهَا تَبِعَةُ الْخَطَأِ فِي الْمَنْهَجِ