للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَ (فِي) لِلظَّرْفِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ مُسْتَعَارَةٌ لِقُوَّةِ التَّلَبُّسِ بِالْعِزَّةِ. وَالْمَعْنَى: مُتَلَبِّسُونَ بِعِزَّةٍ عَلَى الْحَقِّ.

وَالشِّقَاقُ: الْعِنَادُ وَالْخِصَامُ. وَالْمُرَادُ: وَشِقَاقٌ لِلَّهِ بالشرك وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّكْذِيبِ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْحَائِلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ التَّذْكِيرِ بِالْقُرْآنِ هُوَ مَا فِي قَرَارَةِ نُفُوسِهِمْ مِنَ الْعِزَّة والشقاق.

[٣]

[سُورَة ص (٣٨) : آيَة ٣]

كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (٣)

اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِأَنَّ الْعِزَّةَ عَنِ الْحَقِّ وَالشِّقَاقَ لله وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يُثِيرُ فِي خَاطِرِ السَّامِعِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ جَزَاءِ ذَلِكَ فَوَقَعَ هَذَا بَيَانًا لَهُ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ [ص: ٢] ، وَبَيْنَ جُمْلَةِ وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ [ص: ٤] .

وَكَانَ هَذَا الْبَيَانُ إِخْبَارًا مُرْفَقًا بِحُجَّةٍ مِنْ قَبِيلِ قِيَاسِ تَمْثِيلٍ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: مِنْ قَبْلِهِمْ يُؤْذِنُ بِأَنَّهُمْ مِثْلُهُمْ فِي الْعِزَّةِ وَالشِّقَاقِ وَمُتَضَمِّنًا تَحْذِيرًا مِنَ التَّرَيُّثِ عَنْ إِجَابَةِ دَعْوَةِ الْحَقِّ، أَيْ يَنْزِلُ بِهِمُ الْعَذَابُ فَلَا يَنْفَعُهُمْ نَدَمٌ وَلَا مَتَابٌ كَمَا لَمْ يَنْفَعِ الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِهِمْ. فَالتَّقْدِيرُ:

سَيُجَازَوْنَ عَلَى عِزَّتِهِمْ وَشِقَاقِهِمْ بِالْهَلَاكِ كَمَا جُوزِيَتْ أُمَمٌ كَثِيرَةٌ مِنْ قَبْلِهِمْ فِي ذَلِكَ فَلْيَحْذَرُوا ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ إِنْ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ لَمْ يَنْفَعْهُمْ مَتَابٌ كَمَا لَمْ يَنْفَعِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مَتَابٌ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْعَذَابِ.

وكَمْ اسْمٌ دَالٌّ عَلَى عَدَدٍ كَثِيرٍ. ومِنْ قَرْنٍ تَمْيِيزٌ لِإِبْهَامِ الْعَدَدِ، أَيْ عَدَدًا كَثِيرًا مِنَ الْقُرُونِ، وَهِيَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِالْمَفْعُولِيَّةِ لِ أَهْلَكْنا.

وَالْقَرْنُ: الْأُمَّةُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ [الْمُؤْمِنُونَ: ٤٢] . ومِنْ قَبْلِهِمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا مُسْتَقِرًّا جُعِلَ صِفَةً لِ قَرْنٍ مُقَدَّمَةً عَلَيْهِ فَوَقَعَتْ حَالًا، وَإِنَّمَا قُدِّمَ لِلِاهْتِمَامِ بِمَضْمُونِهِ لِيُفِيدَ الِاهْتِمَامَ إِيمَاءً إِلَى أَنَّهُمْ أُسْوَةٌ لَهُمْ فِي الْعِزَّةِ وَالشِّقَاقِ وَأَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ إِهْلَاكِهِمْ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِ أَهْلَكْنا عَلَى أَنَّهُ ظَرْفُ لَغْوٍ، وَقُدِّمَ عَلَى مَفْعُولِ فِعْلِهِ