للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِالْكُفْرِ خَاضِعِينَ، فَيَكُونُ الْكَلَامُ تَهْدِيدًا لِزُعَمَائِهِمُ الَّذِينَ زَيَّنُوا لَهُمُ الِاسْتِمْرَارَ عَلَى الْكُفْرِ، وَهُوَ تَفْسِيرٌ ضَعِيفٌ. وَعَنِ ابْنِ زَيْدٍ وَالْأَخْفَشِ:

الْأَعْنَاقُ الْجَمَاعَاتُ وَاحِدُهَا عُنُقٌ بِضَمَّتَيْنِ جَمَاعَةُ النَّاسِ، أَيْ فَظَلُّوا خَاضِعِينَ جَمَاعَاتٍ جَمَاعَاتٍ، وَهَذَا أَضْعَفُ مِنْ سَابِقِهِ.

وَمِنْ بِدَعِ التَّفَاسِيرِ وَرَكِيكِهَا مَا نَسَبَهُ الثَّعْلَبِيُّ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِينَا وَفِي بَنِي أُمَيَّةَ فَتَذِلُّ لَنَا أَعْنَاقُهُمْ بَعْدَ صُعُوبَةٍ وَيَلْحَقُهُمْ هَوَانٌ بَعْدَ عِزَّةٍ، وَهَذَا مِنْ تَحْرِيفِ كَلِمِ الْقُرْآنِ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنُحَاشِي ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَقُولَهُ وَهُوَ الَّذِي دَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُعَلِّمَهُ التَّأْوِيلَ. وَهَذَا مِنْ مَوْضُوعَاتِ دُعَاةِ الْمُسَوِّدَةِ مِثْلِ أَبِي مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيِّ وَكَمْ لَهُمْ فِي الْمَوْضُوعَاتِ مِنِ اخْتِلَاقٍ، وَالْقُرْآنُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِهَذِهِ السَّفَاسِفِ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: نُنَزِّلْ بِالتَّشْدِيدِ فِي الزَّايِ وَفَتْحِ النُّونِ الثَّانِيَةِ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ بِضَم النُّون الثَّانِيَة وَتَخْفِيف الزَّاي.

[٥]

[سُورَة الشُّعَرَاء (٢٦) : آيَة ٥]

وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥)

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [الشُّعَرَاء: ٣] أَيْ هَذِهِ شِنْشَنَتُهُمْ فَلَا تَأْسَفْ لِعَدَمِ إِيمَانِهِمْ بِآيَاتِ الْكِتَابِ الْمُبِينِ، وَمَا يَجِيئُهُمْ مِنْهَا مِنْ بَعْدُ فَسَيُعْرِضُونَ عَنْهُ لِأَنَّهُمْ عُرِفُوا بِالْإِعْرَاضِ.

وَالْمُضَارِعُ هُنَا لِإِفَادَةِ التَّجَدُّدِ وَالِاسْتِمْرَارِ. فَالذِّكْرُ هُوَ الْقُرْآنُ لِأَنَّهُ تَذْكِيرٌ لِلنَّاسِ بِالْأَدِلَّةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ تَسْمِيَتِهِ ذِكْرًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ [٦] .

وَالْمُحْدَثُ: الْجَدِيدُ، أَيْ مَنْ ذِكْرٍ بَعْدَ ذِكْرٍ يُذَكِّرُهُمْ بِمَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِهِ فَالْمَعْنَى الْمُسْتَفَادُ مِنْ وَصْفِهِ بِالْمُحَدَثِ غَيْرُ الْمَعْنَى الْمُسْتَفَادِ مِنْ إِسْنَادِ صِيغَةِ الْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ. فَأَفَادَ الْأَمْرَانِ أَنَّهُ ذِكْرٌ مُتَجَدِّدٌ مُسْتَمِرٌّ وَأَنْ بَعْضَهُ يُعْقِبُ بَعْضًا وَيُؤَيِّدُهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ [٢، ٣] قَوْلُهُ: