[سُورَة الدُّخان (٤٤) : الْآيَات ٤٣ إِلَى ٥٠]
إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعامُ الْأَثِيمِ (٤٤) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (٤٥) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (٤٦) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (٤٧)
ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (٤٨) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩) إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (٥٠)
لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ فَرِيقًا مَرْحُومِينَ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ قَابَلَهُ هُنَا بفريق معذّبون وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَوَصَفَ بَعْضَ أَصْنَافِ عَذَابِهِمْ وَهُوَ مَأْكَلُهُمْ وَإِهَانَتُهُمْ وَتَحْرِيقُهُمْ، فَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُبْتَدَأَ الْكَلَامُ بِالْإِخْبَارِ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ [٥١، ٥٢] ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ الْآيَةَ، فَعَدَلَ عَنْ ذَلِكَ إِلَى الْإِخْبَارِ عَنْ شَجَرَةِ الزَّقُّومِ بِأَنَّهَا طَعَامُ الْأَثِيمِ اهْتِمَامًا بِالْإِعْلَامِ بِحَالِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ. وَقَدْ جُعِلَتْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ شَيْئًا مَعْلُومًا لِلسَّامِعِينَ فَأَخْبَرَ عَنْهَا بِطَرِيقِ تَعْرِيفِ الْإِضَافَةِ لِأَنَّهَا سَبَقَ ذِكْرُهَا فِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ الَّتِي نَزَلَتْ قَبْلَ سُورَةِ الدُّخَانِ فَإِنَّ الْوَاقِعَةَ عُدَّتِ السَّادِسَةَ وَالْأَرْبَعِينَ فِي عِدَادِ نُزُولِ السُّوَرِ وَسُورَةُ الدُّخَانِ ثَالِثَةٌ وَسِتِّينَ. وَمَعْنَى كَوْنِ الشَّجَرَةِ طَعَامًا أَنَّ ثَمَرَهَا طَعَامٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها [الصافات: ٦٥، ٦٦] .
وكتبت كلمة شَجَرَةَ فِي الْمَصَاحِفِ بِتَاءٍ مَفْتُوحَةٍ مُرَاعَاةً لِحَالَةِ الْوَصْلِ وَكَانَ الشَّائِعُ فِي رَسْمِ أَوَاخِرِ الْكَلِمِ أَنْ تُرَاعَى فِيهِ حَالَةُ الْوَقْفِ، فَهَذَا مِمَّا جَاءَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ.
والْأَثِيمِ: الْكَثِيرُ الْآثَامِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ زِنَةُ فَعِيلٍ. وَالْمُرَادُ بِهِ: الْمُشْرِكُونَ الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى [الدُّخان: ٣٤، ٣٥] ، فَهَذَا مِنَ الْإِظْهَارِ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِقَصْدِ الْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّ الْمُهِمَّ بِالشِّرْكِ مَعَ سَبَبِ مُعَامَلَتِهِمْ هَذِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute