وَمَعْنَى وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ مَا قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا أَنَّهُمْ إِذَا فُرِضَ أَنْ لَا يَتَمَكَّنُوا مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى الْبَادِيَةِ وَبَقُوا فِي الْمَدِينَةِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مَا قَاتَلُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا قِتَالًا قَلِيلًا، أَيْ: ضَعِيفًا لَا يُؤْبَهُ بِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَعِلَّةٌ وَرِيَاءٌ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ آنِفًا.
وَالْأَنْبَاءُ: جَمَعُ نَبَأٍ وَهُوَ: الْخَبَرُ الْمُهِمُّ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٣٤] .
وَقَرَأَ الْجُمْهُور يَسْئَلُونَ- بِسُكُونِ السِّينِ فَهَمْزَةٌ- مُضَارِعُ سَأَلَ. وَقَرَأَ رُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ يَسَّاءَلُونَ- بِفَتْحِ السِّينِ مُشَدَّدَةً وَأَلِفٍ بَعْدَهَا الْهَمْزَةُ- مُضَارِعُ تَسَاءَلَ، وَأَصْلُهُ:
يَتَسَاءَلُونَ أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي السِّين.
[٢١]
[سُورَة الْأَحْزَاب (٣٣) : آيَة ٢١]
لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (٢١)
بَعْدَ تَوْبِيخِ الْمُنَافِقِينَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَقْبَلَ الْكَلَامُ عَلَى خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ فِي عُمُومِ جَمَاعَتِهِمْ ثَنَاءً عَلَى ثَبَاتِهِمْ وَتَأَسِّيهِمْ بِالرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَفَاوُتِ دَرَجَاتِهِمْ فِي ذَلِكَ الِائْتِسَاءِ، فَالْكَلَامُ خَبَرٌ وَلَكِنَّ اقْتِرَانَهُ بِحَرْفَيِ التَّوْكِيدِ فِي لَقَدْ يومىء إِلَى تَعْرِيضٍ بِالتَّوْبِيخِ لِلَّذِينَ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِالْإِسْوَةِ الْحَسَنَةِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَلِذَلِكَ أُتِيَ بِالضَّمِيرِ مُجْمَلًا ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ لَكُمْ، ثُمَّ فُصِّلَ بِالْبَدَلِ مِنْهُ بِقَوْلِهِ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً، أَيْ: بِخِلَافٍ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ كَأُولَئِكَ، فَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ تَوْكِيدٌ لِلَّامِ الَّتِي فِي الْمُبْدَلِ مِنْهُ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا [الْمَائِدَة: ١١٤] ، فَمَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ فِي قِصَّةِ تَبُوكَ:
رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ [التَّوْبَة: ٨٧، ٨٨] الْآيَةَ.
وَالْإِسْوَةُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّهَا اسْمٌ لِمَا يُؤْتَسَى بِهِ، أَيْ: يُقْتَدَى بِهِ وَيُعْمَلُ مِثْلُ عَمَلِهِ.
وَحَقُّ الْأُسْوَةِ أَنْ يَكُونَ الْمُؤْتَسَى بِهِ هُوَ الْقُدْوَةُ وَلِذَلِكَ فَحَرْفُ فِي جَاءَ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute