للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اللَّهَ بِامْتِثَالِ أَمْرِهِ. وَإِنَّمَا صِيغَتِ الْجُمْلَةُ فِي صِيغَةِ الشَّرْطِ وَجَوَابِهِ لِإِفَادَةِ الْعُمُومِ فِي الْمُطِيعِينَ وَأَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ فَصَارَتِ الْجُمْلَةُ بِهَذَيْنِ الْعُمُومَيْنِ فِي قُوَّةِ التَّذْيِيلِ. وَهَذَا نسج بديع مِنْ نَظْمِ الْكَلَامِ وَهُوَ

إِفَادَةُ غَرَضَيْنِ بجملة وَاحِدَة.

[٧٢]

[سُورَة الْأَحْزَاب (٣٣) : آيَة ٧٢]

إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً (٧٢)

اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ أَفَادَ الْإِنْبَاءَ عَلَى سُنَّةٍ عَظِيمَةٍ مِنْ سُنَنِ اللَّهِ تَعَالَى فِي تَكْوِينِ الْعَالَمِ وَمَا فِيهِ وَبِخَاصَّةٍ الْإِنْسَانَ لِيَرْقُبَ النَّاسُ فِي تَصَرُّفَاتِهِمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ مَعَ رَبِّهِمْ وَمُعَامَلَاتِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ بِمِقْدَارِ جَرْيِهِمْ عَلَى هَذِهِ السُّنَّةِ وَرَعْيِهِمْ تَطْبِيقَهَا فَيَكُونُ عَرْضُهُمْ أَعْمَالَهُمْ عَلَى مِعْيَارِهَا مُشْعِرًا لَهُمْ بِمَصِيرِهِمْ وَمُبَيِّنًا سَبَبَ تَفْضِيلِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَاصْطِفَاءِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَيْنِ بَعْضٍ.

وَمَوْقِعُ هَذِهِ الْآيَةِ عَقِبَ مَا قَبْلَهَا، وَفِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ يَقْتَضِي أَنَّ لِمَضْمُونِهَا ارْتِبَاطًا بِمَضْمُونِ مَا قَبِلَهَا، وَيَصْلُحُ عَوْنًا لِاكْتِشَافِ دَقِيقِ مَعْنَاهَا وَإِزَالَةِ سُتُورِ الرَّمْزِ عَنِ الْمُرَادِ مِنْهَا، وَلَوْ بِتَقْلِيلِ الِاحْتِمَالِ، وَالْمَصِيرِ إِلَى الْمَآلِ.

وَالِافْتِتَاحُ بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ لِلِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ أَوْ تَنْزِيِلِهِ لِغَرَابَةِ شَأْنِهِ مَنْزِلَةَ مَا قَدْ يُنْكِرُهُ السَّامِعُ.

وَافْتِتَاحُ الْآيَةِ بِمَادَّةِ الْعَرْضِ، وَصَوْغُهَا فِي صِيغَة الْمَاضِي، وَجَعْلُ مُتَعَلِّقِهَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَالْجِبَال وَالْإِنْسَان يومىء إِلَى أَنَّ مُتَعَلِّقَ هَذَا الْعَرْضِ كَانَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيَقْتَضِي أَنَّهُ عَرْضٌ أَزَلِيٌّ فِي مَبْدَأِ التَّكْوِينِ عِنْدَ تَعَلُّقِ الْقُدْرَةِ الرَّبَّانِيَّةِ بِإِيجَادِ الْمَوْجُودَاتِ الْأَرْضِيَّةِ وَإِيدَاعِهَا فُصُولَهَا الْمُقَوِّمَةَ لِمَوَاهِيهَا وَخَصَائِصِهَا وَمُمَيِّزَاتِهَا الْمُلَائِمَةِ لِوَفَائِهَا بِمَا خُلِقَتْ لِأَجْلِهِ كَمَا حُمِلَ قَوْلُهُ: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذرياتهم [الْأَعْرَاف: ١٧٢] الْآيَةَ.

وَاخْتِتَامُ الْآيَةِ بِالْعِلَّةِ مِنْ قَوْلِهِ: لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ [الْأَحْزَاب: ٧٣] إِلَى نِهَايَةِ السُّورَةِ يَقْتَضِي أَنَّ لِلْأَمَانَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَزِيدَ اخْتِصَاصٍ بِالْعِبْرَةِ فِي أَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُشْرِكِينَ مِنْ بَيْنِ نَوْعِ الْإِنْسَانِ فِي رَعْيِ الْأَمَانَةِ وَإِضَاعَتِهَا.