فَيَغْتَرُّ النَّاسُ بِهَا وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا. وَالْقَوْلُ السَّدِيدُ يَشْمَلُ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ.
وَلِمَا فِي التَّقْوَى وَالْقَوْلِ السَّدِيدِ مِنْ وَسَائِلِ الصَّلَاحِ جَعَلَ لِلْآتِي بِهِمَا جَزَاءً بِإِصْلَاحِ الْأَعْمَالِ وَمَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ. وَهُوَ نَشْرٌ عَلَى عَكْسِ اللَّفِّ، فَإِصْلَاحُ الْأَعْمَالِ جَزَاءٌ عَلَى الْقَوْلِ السَّدِيدِ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يُفِيدُهُ الْقَوْلُ السَّدِيدُ إِرْشَادُ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاحِ أَوِ اقْتِدَاءُ النَّاسِ بِصَاحِبِ الْقَوْلِ السَّدِيدِ.
وَغُفْرَانُ الذُّنُوبِ جَزَاءٌ عَلَى التَّقْوَى لِأَنَّ عَمُودَ التَّقْوَى اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لِلنَّاسِ الصَّغَائِرَ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَغَفَرَ لَهُمُ الْكَبَائِرَ بِالتَّوْبَةِ، وَالتَّحَوُّلُ عَنِ الْمَعَاصِي بَعْدَ الْهَمِّ بِهَا ضَرْبٌ مِنْ مَغْفِرَتِهَا.
ثُمَّ إِنَّ ضَمِيرَيْ جَمْعِ الْمُخَاطَبِ لَمَّا كَانَا عَائِدَيْنَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا كَانَا عَامَّيْنِ لِكُلِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي عُمُومِ الْأَزْمَانِ سَوَاءً كَانَتِ الْأَعْمَالُ أَعْمَالَ الْقَائِلِينَ قَوْلًا سَدِيدًا أَوْ أَعْمَالَ غَيْرِهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ أَقْوَالَهُمْ فَإِنَّهُمْ لَا يَخْلُونَ مِنْ فَرِيقٍ يَتَأَثَّرُ بِذَلِكَ الْقَوْلِ فَيَعْمَلُونَ بِمَا يَقْتَضِيهِ عَلَى تَفَاوُتٍ بَيْنَ الْعَامِلِينَ، وَبِحَسَبِ ذَلِكَ التَّفَاوُتِ يَتَفَاوَتُ صَلَاحُ أَعْمَالِ الْقَائِلِينَ قَوْلًا سَدِيدًا وَالْعَامِلِينَ بِهِ مِنَ سَامِعِيهِ، وَكَذَلِكَ أَعْمَالُ الَّذِي قَالَ الْقَوْلَ السَّدِيدَ فِي وَقْتِ سَمَاعِهِ قَوْلَ غَيْرِهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ» ،
فَظَهَرَ أَنَّ إِصْلَاحَ الْأَعْمَالِ مُتَفَاوِتٌ وَكَيْفَمَا كَانَ فَإِنَّ صَلَاحَ الْمَعْمُولِ مِنْ آثَارِ سِدَادِ الْقَوْلِ، وَكَذَلِكَ التَّقْوَى تَكُونُ سَبَبًا لِمَغْفِرَةِ ذُنُوبِ الْمُتَّقِي وَمَغْفِرَةِ ذُنُوبِ غَيْرِهِ لِأَنَّ مِنَ التَّقْوَى الِانْكِفَافَ عَنْ مُشَارَكَةِ أَهْلِ الْمَعَاصِي فِي مَعَاصِيهِمْ فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ انْكِفَافُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَنْ مَعَاصِيهِمْ تَأَسِّيًا أَوْ حَيَاءً فَتَتَعَطَّلُ بَعْضُ الْمَعَاصِي، وَذَلِكَ ضَرْبٌ مِنَ الْغُفْرَانِ فَإِنِ اقْتَدَى فَاهْتَدَى فَالْأَمْرُ أَجْدَرُ.
وَذِكْرُ لَكُمْ مَعَ فِعْلَيْ يُصْلِحْ- ويَغْفِرْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْعِنَايَةِ بِالْمُتَّقِينَ أَصْحَابِ الْقَوْلِ السَّدِيدِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشَّرْح: ١] .
وَجُمْلَةُ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ أَيْ وَتَفُوزُوا فَوْزًا عَظِيمًا إِذَا أَطَعْتُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute