[سُورَة التكوير (٨١) : الْآيَات ١٥ إِلَى ٢١]
فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥) الْجَوارِ الْكُنَّسِ (١٦) وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (١٧) وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (١٨) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩)
ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (٢١)
الْفَاءُ لِتَفْرِيعِ الْقَسَمِ وَجَوَابُهُ عَلَى الْكَلَامِ السَّابِقِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْكَلَامِ هُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّمْهِيدِ لِمَا بَعْدَ الْفَاءِ فَإِنَّ الْكَلَامَ السَّابِقَ أَفَادَ تَحْقِيقَ وُقُوعِ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ وَهُمْ قَدْ أَنْكَرُوهُ وَكَذَّبُوا الْقُرْآنَ الَّذِي أَنْذَرَهُمْ بِهِ، فَلَمَّا قُضِيَ حَقُّ الْإِنْذَارِ بِهِ وَذُكِرَ أَشْرَاطُهُ فُرِّعَ عَنْهُ
تَصْدِيقُ الْقُرْآنِ الَّذِي أَنْذَرَهُمْ بِهِ وَأَنَّهُ مُوحًى بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
فَالتَّفْرِيعُ هُنَا تَفْرِيعُ مَعْنًى وَتَفْرِيعُ ذِكْرٍ مَعًا، وَقَدْ جَاءَ تَفْرِيعُ الْقَسَمِ لِمُجَرَّدِ تَفْرِيعِ ذِكْرِ كَلَامٍ عَلَى كَلَامٍ آخَرَ كَقَوْلِ زُهَيْرٍ:
فَأَقْسَمْتُ بِالْبَيْتِ الَّذِي طَافَ حَوْلَهُ ... رِجَالٌ بَنَوْهُ مِنْ قُرَيْشٍ وَجُرْهُمِ
عَقِبَ نَسِيبِ مُعَلَّقَتِهِ الَّذِي لَا يَتَفَرَّعُ عَنْ مَعَانِيهِ مَا بَعْدَ الْقَسَمِ وَإِنَّمَا قَصَدَ بِهِ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْكَلَامِ إِنَّمَا هُوَ لِلْإِقْبَالِ عَلَى مَا بَعْدَ الْفَاءِ، وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ تَفَوُّقُ التَّفْرِيعِ الَّذِي فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى تَفْرِيعِ بَيْتِ زُهَيْرٍ.
وَمَعْنَى: (لَا أُقْسِمُ) : إِيقَاعُ الْقَسَمِ، وَقَدْ عُدَّتْ (لَا) زَائِدَةً، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ فِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ [٧٥] .
وَالْقَسَمُ مُرَادٌ بِهِ تَأْكِيدُ الْخَبَرِ وَتَحْقِيقُهُ، وَأُدْمِجَ فِيهِ أَوْصَافُ الْأَشْيَاءِ الْمُقْسَمِ بِهَا لِلدِّلَالَةِ عَلَى تَمَامِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَ (الْخُنَّسِ) : جَمْعُ خَانِسَةٍ، وَهِيَ الَّتِي تَخْنِسُ، أَيْ تَخْتَفِي، يُقَالُ: خَنِسَتِ الْبَقَرَةُ وَالظَّبْيَةُ، إِذَا اخْتَفَتْ فِي الْكِنَاسِ.
وَ (الْجَوَارِي) : جَمْعُ جَارِيَةٍ: وَهِيَ الَّتِي تَجْرِي، أَيْ تَسِيرُ سَيْرًا حَثِيثًا.
والْكُنَّسِ: جَمْعُ كَانِسَةٍ، يُقَالُ: كَنَسَ الظَّبْيُّ، إِذَا دَخَلَ كِنَاسَهُ (بِكَسْرِ الْكَافِ) وَهُوَ الْبَيْتُ الَّذِي يَتَّخِذُهُ لِلْمَبِيتِ.
وَهَذِهِ الصِّفَاتُ أُرِيدَ بِهَا صِفَاتٌ مَجَازِيَّةٌ لِأَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِمَوْصُوفَاتِهَا