للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْإِنْسَ بِعِبَادَتِهِمْ وَوَضَعُوا أَنْفُسَهُمْ شُرَكَاء الله تَعَالَى، فَكِلَا الْفَرِيقَيْنِ مِنْ هَؤُلَاءِ كَافِرٌ، وَهَذَا مِثْلُ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَوْ عَنْ أَمْثَالِهِمْ بِمِثْلِ هَذَا الْخَبَرِ التَّعْجِيبِيِّ فِي قَوْلِهِ: وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ [الْملك: ١٠، ١١] . فَانْظُرْ كَيْفَ فَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِمْ أَنَّهُمُ اعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ، مَعَ أَنَّ قَوْلَهُمْ هُوَ عَيْنُ الِاعْتِرَافِ، فَلَا يُفَرَّعُ الشَّيْءُ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَكِنْ أُرِيدَ مِنَ الْخَبَرِ التَّعْجِيبُ مِنْ حَالِهِمْ، وَالتَّسْمِيعُ بِهِمْ، حِينَ أُلْجِئُوا إِلَى الِاعْتِرَافِ فِي عَاقِبَةِ الْأَمْرِ.

وَشَهَادُتُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ كَانَتْ بَعْدَ التَّمْحِيصِ وَالْإِلْجَاءِ، فَلَا تُنَافِي أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا الْكُفْرَ فِي أَوَّلِ أَمْرِ الْحِسَابِ، إِذْ قَالُوا: وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الْأَنْعَام: ٢٣] . قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ: «إِنِّي أَجِدُ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ قَالَ اللَّهُ: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً [النِّسَاء: ٤٢] ، وَقَالَ: إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الْأَنْعَام:

٢٣] ، فَقَدْ كَتَمُوا. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لِأَهْلِ الْإِخْلَاصِ ذُنُوبَهُمْ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ:

تَعَالَوْا نَقُلْ: مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ، فَخَتَمَ اللَّهُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ فَتَنْطِق أَيْديهم» .

[١٣١]

[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ١٣١]

ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ (١٣١)

اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ، تَهْدِيدٌ وَمَوْعِظَةٌ، وَعِبْرَةٌ بِتَفْرِيطِ أَهْلِ الضَّلَالَةِ فِي فَائِدَةِ دَعْوَةِ الرُّسُلِ، وَتَنْبِيهٌ لِجَدْوَى إِرْسَالِ الرُّسُلِ إِلَى الْأُمَمِ لِيُعِيدَ الْمُشْرِكُونَ نَظَرًا فِي أَمْرِهِمْ، مَا دَامُوا فِي هَذِهِ الدَّارِ، قَبْلَ يَوْمِ الْحَشْرِ، وَيَعْلَمُوا أَنَّ عَاقِبَةَ الْإِعْرَاضِ عَنْ دَعْوَة الرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُسْرَى، فَيَتَدَارَكُوا أَمْرَهُمْ خَشْيَةَ الْفَوَاتِ، وَإِنْذَارٌ بِاقْتِرَابِ نُزُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ، وَإِيقَاظٌ لِلْمُشْرِكِينَ بِأَنَّ حَالَهُمْ كَحَالِ الْمُتَحَدَّثِ عَنْهُمْ إِذَا مَاتُوا عَلَى شِرْكِهِمْ.

وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ إِلَى مَذْكُورٍ فِي الْكَلَامِ السَّابِقِ، وَهُوَ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ، كَمَا هُوَ شَأْنُ الْإِشَارَةِ إِلَى غَيْرِ مَحْسُوسٍ، فَالْمُشَارُ إِلَيْهِ هُوَ الْمَذْكُورُ