وَالطَّبْعُ: الْخَتْمُ. وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ لِعَدَمِ دُخُولِ الْإِيمَانِ قُلُوبَهُمْ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٧] .
وَالِاعْتِدَاءُ: افْتِعَالٌ مِنْ عَدَا عَلَيْهِ، إِذَا ظَلَمَهُ، فَالْمُعْتَدِينَ مُرَادِفُ الظَّالِمِينَ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُشْرِكُونَ لِأَنَّ الشِّرْكَ اعْتِدَاءٌ فَإِنَّهُم كذبُوا الرَّسُول فَاعْتَدَوْا عَلَى الصَّادِقِينَ بِلَمْزِهِمْ بِالْكَذِبِ وَقَدْ جَاءَ فِي نَظِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ [١٠١] كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ (١) فَهَذَا التَّحَالُفُ لِلتَّفَنُّنِ فِي حِكَايَةِ هَذِهِ الْعِبْرَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
[٧٥]
[سُورَة يُونُس (١٠) : آيَة ٧٥]
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (٧٥)
ثُمَّ لِلتَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ لِأَنَّ بَعْثَةَ مُوسَى وَهَارُونَ- عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- كَانَتْ أَعْظَمَ مِنْ بِعْثَةِ مَنْ سَبَقَهُمَا مِنَ الرُّسُلِ، وَخُصَّتْ بِعْثَةُ مُوسَى وَهَارُونَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا كَانَتِ انْقِلَابًا عَظِيمًا وَتَطَوُّرًا جَدِيدًا فِي تَارِيخِ الشَّرَائِعِ وَفِي نِظَامِ الْحَضَارَةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالتَّشْرِيعِيَّةِ فَإِنَّ الرُّسُلَ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ مُوسَى إِنَّمَا بُعِثُوا فِي أُمَمٍ مُسْتَقِلَّةٍ، وَكَانَتْ أَدْيَانُهُمْ مُقْتَصِرَةً عَلَى الدَّعْوَةِ إِلَى إِصْلَاحِ الْعَقِيدَةِ، وَتَهْذِيبِ النُّفُوسِ، وَإِبْطَالِ مَا عَظُمَ مِنْ مَفَاسِدَ فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَلَمْ تَكُنْ شَرَائِعَ شَامِلَةً لِجَمِيعِ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ نَظْمِ الْأُمَّةِ وَتَقْرِيرِ حَاضِرِهَا وَمُسْتَقْبَلِهَا.
فَأَمَّا بِعْثَةُ مُوسَى فَقَدْ أَتَتْ بِتَكْوِينِ أُمَّةٍ، وَتَحْرِيرِهَا مِنِ اسْتِعْبَادِ أُمَّةٍ أُخْرَى إِيَّاهَا، وَتَكْوِينِ وَطَنٍ مُسْتَقِلٍّ لَهَا، وَتَأْسِيسِ قَوَاعِدِ اسْتِقْلَالِهَا، وَتَأْسِيسِ جَامِعَةٍ كَامِلَةٍ لَهَا، وَوَضْعِ نِظَامِ سِيَاسَةِ الأمّة، وَوضع ساسة يدبرون شؤونها، وَنِظَامِ دِفَاعٍ يَدْفَعُ الْمُعْتَدِينَ عَلَيْهَا مِنَ
الْأُمَمِ، وَيُمَكِّنُهَا مِنِ اقْتِحَامِ أَوْطَانِ أُمَمٍ أُخْرَى، وَإِعْطَاءِ كِتَابٍ يَشْتَمِلُ عَلَى قَوَانِينِ حَيَاتِهَا الِاجْتِمَاعِيَّةِ مِنْ كَثِيرِ نَوَاحِيهَا، فَبَعْثَةُ مُوسَى كَانَتْ أَوَّلَ مَظْهَرٍ عَامٍّ مِنْ مَظَاهِرِ الشَّرَائِعِ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ نَظِيرٌ فِي تَارِيخِ الشَّرَائِعِ وَلَا فِي تَارِيخِ نِظَامِ الْأُمَمِ،
(١) فِي المطبوعة (كَذَلِك نطبع على قُلُوب الْكَافرين) وَهُوَ خطأ. [.....]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute