وَالتَّوَكُّلُ: تَفْوِيضُ أُمُورِ الْمُفَوِّضِ إِلَى مَنْ يَكْفِيهِ إِيَّاهُ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [١٥٩] .
وَجُمْلَةُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِمَّا أُمِرَ بِأَنْ يَقُولَهُ تَذَكُّرًا مِنَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَعْلِيمًا لِلْمُسْلِمِينَ فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ تَذْيِيلًا لِلَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّهَا أَعَمُّ مِنْهَا بِاعْتِبَارِ الْقَائِلِينَ لِأَنَّ حَسْبِيَ اللَّهُ يؤول إِلَى مَعْنَى: تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، أَيْ حَسْبِيَ أَنَا وَحَسْبُ كُلِّ مُتَوَكِّلٍ، أَيْ كُلِّ مُؤْمِنٍ يَعْرِفُ اللَّهَ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ وَيَعْتَمِدُ عَلَى كِفَايَتِهِ دُونَ غَيْرِهِ، فَتَعْرِيفُ الْمُتَوَكِّلُونَ
لِلْعُمُومِ الْعُرْفِيِّ، أَيِ الْمُتَوَكِّلُونَ الْحَقِيقِيُّونَ إِذْ لَا عِبْرَةَ بِغَيْرِهِمْ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى خَاطَبَ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِأَنْ يَقُولَهُ فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ تَعْلِيلًا لِلْأَمْرِ بِقَوْلِ: حَسْبِيَ اللَّهُ، أَيِ اجْعَلِ اللَّهَ حَسْبَكَ، لِأَنَّ أَهْلَ التَّوَكُّلِ يَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ دُونَ غَيْرِهِ وَهُمُ الرُّسُلُ وَالصَّالِحُونَ وَإِذْ قَدْ كُنْتَ مِنْ رَفِيقِهِمْ فَكُنْ مِثْلَهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [الْأَنْعَام: ٩٠] .
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ عَلَى يَتَوَكَّلُ لِإِفَادَةِ الِاخْتِصَاصِ لِأَنَّ أَهْلَ التَّوَكُّلِ الْحَقِيقِيِّينَ لَا يَتَوَكَّلُونَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ تَعْرِيض بالمشركين إِذْ اعْتَمَدُوا فِي أُمُورِهِمْ على أصنامهم.
[٣٩- ٤٠]
[سُورَة الزمر (٣٩) : الْآيَات ٣٩ إِلَى ٤٠]
قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٩) مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٤٠)
لَمَّا أَبْلَغَهُمُ اللَّهُ من الموعظة أقْصَى مَبْلَغٍ، وَنَصَبَ لَهُمْ مِنَ الْحُجَجِ أَسَطَعَ حُجَّةٍ، وَثَبَّتَ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَخَ تَثْبِيتٍ، لَا جَرَمَ أَمَرَ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُوَادِعَهُمْ مُوَادَعَةَ مُسْتَقْرِبِ النَّصْرِ، وَيُوَاعِدَهُمْ مَا أُعِدَّ لَهُمْ مَنْ خُسْرٍ.
وَعَدَمُ عَطْفِ جُمْلَةِ قُلْ هَذِهِ عَلَى جُمْلَةِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ [الزمر: ٣٨] لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنْ يَكُونَ أَمْرُهُ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لِقَصْدِ إِبْلَاغِهِ إِلَى الْمُشْرِكِينَ نَظِيرَ تَرْكِ الْعَطْفِ فِي الْبَيْتِ الْمَشْهُورِ فِي عِلْمِ الْمَعَانِي:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute