وَالسَّلَامُ وَلَكِنَّهَا تَوَقُّعُ أَنْ يَصْدُرَ مِنَ النَّاسِ وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ مَا يكرههُ النبيء عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ: وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً، أَيِ اللَّهُ حَسِيبُ الْأَنْبِيَاءِ لَا غَيْرُهُ.
هَذَا هُوَ الْوَجْهُ فِي سِيَاقِ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَاتِ، فَلَا تَسْلُكْ فِي مَعْنَى الْآيَةِ مَسْلَكًا يُفْضِي بِكَ إِلَى تَوَهُّمِ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَصَلَتْ مِنْهُ خَشْيَةُ النَّاسِ وَأَنَّ اللَّهَ عَرَّضَ بِهِ فِي قَوْلِهِ: وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ تَصْرِيحًا بَعْدَ أَنْ عَرَّضَ بِهِ تَلْمِيحًا فِي قَوْلِهِ: وَتَخْشَى النَّاسَ [الْأَحْزَاب: ٣٧] بَلِ النَّبِيءُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَكْتَرِثْ بِهِمْ وَأَقَدَمَ عَلَى تَزَوُّجِ زَيْنَبَ، فَكُلُّ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي مَا نَزَلَتْ إِلَّا بَعْدَ تَزَوُّجِ زَيْنَبَ كَمَا هُوَ صَرِيحُ قَوْله:
زَوَّجْناكَها [الْأَحْزَاب: ٣٧] وَلَمْ يَتَأَخَّرْ إِلَى نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ.
وَإِظْهَارُ اسْمِ الْجَلَالَةِ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ فِي قَوْلِهِ: وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً حَيْثُ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ لِقَصْدِ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ جَارِيَةً مَجْرَى الْمَثَلِ وَالْحِكْمَةِ.
وَإِذْ قَدْ كَانَ هَذَا وَصْفَ الْأَنْبِيَاءِ فَلَيْسَ فِي الْآيَة مجَال للاستدراك عَلَيْهَا بِمَسْأَلَةِ التُّقْيَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً [آل عمرَان: ٢٨] .
[٤٠]
[سُورَة الْأَحْزَاب (٣٣) : آيَة ٤٠]
مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٤٠)
اسْتِئْنَافٌ لِلتَّصْرِيحِ بِإِبْطَالِ أَقْوَالِ الْمُنَافِقِينَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَمَا يُلْقِيهِ الْيَهُودُ فِي نُفُوسِهِمْ مِنَ الشَّكِّ.
وَهُوَ نَاظِرٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ [الْأَحْزَاب: ٤] . وَالْغَرَضُ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ قَطْعُ تَوَهُّمِ أَن يكون للنبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَدٌ مِنَ الرِّجَالِ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَام البنوّة حَتَّى لَا يَتَطَرَّقَ الْإِرْجَافُ وَالِاخْتِلَاقُ إِلَى مَنْ يَتَزَوَّجَهُنَّ مِنْ أَيَامَى الْمُسْلِمِينَ أَصْحَابِهِ مِثْلَ أُمِّ سَلَمَةَ وَحَفْصَةَ.
ومِنْ رِجالِكُمْ وَصْفٌ لِ أَحَدٍ، وَهُوَ احْتِرَاسٌ لِأَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَنَاتٍ.
وَالْمَقْصُودُ: نَفْيُ أَنْ يَكُونَ أَبًا لِأَحَدٍ مِنَ الرِّجَالِ فِي حِينِ نُزُولِ الْآيَةِ لِأَنَّهُ كَانَ وُلِدَ لَهُ أَوْلَادٌ أَوْ وَلَدَانِ بِمَكَّةَ مِنْ خَدِيجَةَ وَهُمُ الطَّيِّبُ وَالطَّاهِرُ (أَوْ هُمَا اسْمَانِ