للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَوْلُهُ: وَهُمْ راكِعُونَ مَعْطُوف على الصّفة. وَظَاهِرُ مَعْنَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّهَا عَيْنُ مَعْنَى قَوْلِهِ: يُقِيمُونَ الصَّلاةَ، إِذِ الْمُرَادُ بِ راكِعُونَ مُصَلُّونَ لَا آتُونَ بِالْجُزْءِ مِنَ الصَّلَاةِ الْمُسَمَّى بِالرُّكُوعِ. فَوُجِّهَ هَذَا الْعَطْفُ: إِمَّا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّكُوعِ رُكُوعُ النَّوَافِلِ، أَيِ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ الْمَفْرُوضَةَ وَيَتَقَرَّبُونَ بِالنَّوَافِلِ وَإِمَّا الْمُرَادُ بِهِ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ مِنَ الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ، أَيِ الَّذِينَ يُدِيمُونَ إِقَامَةَ الصَّلَاةِ. وَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُمْ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ مُبَادَرَةً بِالتَّنْوِيهِ بِالزَّكَاةِ، كَمَا هُوَ دَأْبُ الْقُرْآنِ. وَهُوَ الَّذِي اسْتَنْبَطَهُ أَبُو بَكْرٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- إِذْ قَالَ: «لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ» . ثُمَّ أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ لَا يَتَخَلَّفُونَ عَنْ أَدَاءِ الصَّلَاةِ فَالْوَاوُ عَاطِفَةُ صِفَةٍ عَلَى صِفَةٍ، وَيَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ الْجُمْلَةُ حَالًا. وَيُرَادُ بِالرُّكُوعِ الْخُشُوعُ.

وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ جَعَلَ وَهُمْ راكِعُونَ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ. وَلَيْسَ فِيهِ مَعْنًى، إِذْ تُؤْتَى الزَّكَاةُ فِي حَالَةِ الرُّكُوعِ، وَرَكَّبُوا هَذَا الْمَعْنَى عَلَى خَبَرٍ تَعَدَّدَتْ رِوَايَاتُهُ وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ. قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَلَيْسَ يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ لِضَعْفِ أَسَانِيدِهَا وَجَهَالَةِ رِجَالِهَا. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَفِي هَذَا الْقَوْلِ، أَيِ الرِّوَايَةِ، نَظَرٌ، قَالَ:

رَوَى الْحَاكِمُ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ: جَاءَ ابْنُ سَلَامٍ (أَيْ عَبْدُ اللَّهِ) وَنَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ آمَنُوا (أَيْ مِنَ الْيَهُودِ) فشكوا

للرّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعْدَ مَنَازِلِهِمْ وَمُنَابَذَةَ الْيَهُودِ لَهُمْ فَنَزَلَتْ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ إِنَّ الرَّسُولَ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَبَصُرَ بِسَائِلٍ، فَقَالَ لَهُ: هَلْ أَعْطَاكَ أَحَدٌ شَيْئًا، فَقَالَ: نَعَمْ خَاتَمُ فِضَّةٍ أَعْطَانِيهِ ذَلِكَ الْقَائِمُ يُصَلِّي، وَأَشَارَ إِلَى عَلِيٍّ، فكبّر النّبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَتَلَاهَا رَسُولُ اللَّهِ

. وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ.

وَقَوْلُهُ: فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَابِ الشَّرْطِ بِذِكْرِ عِلَّةِ الْجَوَابِ كَأَنَّهُ قِيلَ: فَهُمُ الْغَالِبُونَ لِأَنَّهُمْ حزب الله.

[٥٧، ٥٨]

[سُورَة الْمَائِدَة (٥) : الْآيَات ٥٧ إِلَى ٥٨]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٥٧) وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ