للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَرَأَ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ، وَخَلَفٍ «مَجْرَاهَا» فَقَطْ- بِفَتْحِ الْمِيمِ- عَلَى أَنَّهُ مَفْعَلٌ لِلْمَصْدَرِ أَوِ الزَّمَانِ أَوِ الْمَكَانِ. وَأَمَّا مُرْساها- فَبِضَمِّ الْمِيمِ- مِثْلَ الْجُمْهُورِ، لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ: مَرْسَاهَا- بِفَتْحِ الْمِيمِ-. وَالْعُدُولُ عَنِ الْفَتْحِ فِي مُرْساها فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَعَ أَنَّهُ فِي الْقِيَاسِ مُمَاثِلُ (مَجْرَاهَا) وَجْهُهُ دَفْعُ اللَّبْسِ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ بِاسْمِ الْمَرْسَى الَّذِي هُوَ الْمَكَانُ الْمُعَدُّ لِرُسُوِّ السُّفُنِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَجْراها وَمُرْساها فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِالنِّيَابَةِ عَنْ ظَرْفِ الزَّمَانِ، أَيْ وَقْتَ إِجْرَائِهَا وَوَقْتَ إِرْسَائِهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ بِالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْفِعْلِ، وَهُوَ رَأْيُ نُحَاةِ الْكُوفَةِ، وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ.

وَجُمْلَةُ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ تَعْلِيلٌ لِلْأَمْرِ بِالرُّكُوبِ الْمُقَيَّدِ بِالْمُلَابَسَةِ لِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَفِي التَّعْلِيلِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ رَمْزٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ وَعَدَهُ بِنَجَاتِهِمْ، وَذَلِكَ مِنْ غُفْرَانِهِ وَرَحْمَتِهِ. وَأَكَّدَ بِ إِنَّ وَلَامِ الِابْتِدَاءِ تَحْقِيقًا لِأَتْبَاعِهِ بِأَنَّ اللَّهَ رَحِمَهُمْ بِالْإِنْجَاءِ مِنَ الْغَرَقِ.

[٤٢، ٤٣]

[سُورَة هود (١١) : الْآيَات ٤٢ الى ٤٣]

وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (٤٢) قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لَا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (٤٣)

وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ.

جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ دَعَا إِلَى اعْتِرَاضِهَا هُنَا ذِكْرُ (مُجْرَاهَا) إِتْمَامًا لِلْفَائِدَةِ وَصْفًا لِعِظَمِ الْيَوْمِ وَعَجِيبِ صُنْعِ اللَّهِ تَعَالَى فِي تَيْسِيرِ نَجَاتِهِمْ.

وَقُدِّمَ الْمُسْنَدُ إِلَيْهِ عَلَى الْخَبَرِ الْفِعْلِيِّ لِتَقَوِّي الْحُكْمِ وَتَحْقِيقِهِ.

وَعَدَلَ عَنِ الْفِعْلِ الْمَاضِي إِلَى الْمُضَارِعِ لِاسْتِحْضَارِ الْحَالَةِ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً [فاطر: ٩] .

وَالْمَوْجُ: مَا يَرْتَفِعُ مِنَ الْمَاءِ عَلَى سَطْحِهِ عِنْدَ اضْطِرَابِهِ، وَتَشْبِيهُهُ بِالْجِبَالِ فِي ضَخَامَتِهِ. وَذَلِكَ إِمَّا لِكَثْرَةِ الرِّيَاحِ الَّتِي تَعْلُو الْمَاءَ وَإِمَّا لِدَفْعِ دَفَقَاتِ الْمَاءِ