بِإِضَافَتِهِ إِلَى «الْأَيْمَانِ» صَارَ مِنْ نَوْعِ الْيَمِينِ فَكَانَ مَفْعُولًا مُطْلَقًا مُبَيِّنًا لِلنَّوْعِ. وَفِي «الْكَشَّافِ» فِي سُورَةِ النُّورِ جَعَلَهُ مَصْدَرًا بَدَلًا مِنْ فِعْلِهِ وَجَعَلَ التَّقْدِيرَ: أَقْسَمُوا بِاللَّهِ يُجْهِدُونَ أَيْمَانَهُمْ جَهْدًا، فَلَمَّا حُذِفَ الْفِعْلُ وَجُعِلَ الْمَفْعُولُ الْمُطْلَقُ عِوَضًا عَنْهُ قُدِّمَ الْمَفْعُولُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ وَأُضِيفَ إِلَيْهِ.
وَجُمْلَةُ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ اسْتِئْنَافٌ، سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ كَلَامِ الَّذِينَ آمَنُوا فَتَكُونُ مِنَ الْمَحْكِيِّ بِالْقَوْلِ، أَمْ كَانَتْ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَكُونُهُ. وحبطت مَعْنَاهُ تَلِفَتْ وَفَسَدَتْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ فِي سُورَة الْبَقَرَة [٢١٧] .
[٥٤]
[سُورَة الْمَائِدَة (٥) : آيَة ٥٤]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٥٤)
تَقَضَّى تَحْذِيرُهُمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ فِي الدِّينِ، وَتَجْنِيبِهِمْ أَسْبَابَ الضَّعْفِ فِيهِ، فَأَقْبَلَ عَلَى تَنْبِيهِهِمْ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ حِرْصٌ عَلَى صَلَاحِهِمْ فِي مُلَازَمَةِ الدِّينِ وَالذَّبِّ عَنْهُ، وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَنَالُهُ نَفْعٌ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّهُمْ لَوِ ارْتَدَّ مِنْهُمْ فَرِيقٌ أَوْ نَفَرٌ لَمْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا، وَسَيَكُونُ لِهَذَا الدِّينِ أَتْبَاعٌ وَأَنْصَارٌ وَإِنْ صَدَّ عَنْهُ مَنْ صَدَّ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ [الزمر: ٧] ، وَقَوْلِهِ: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [الحجرات: ١٧] .
فَجُمْلَةُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ إِلَخْ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ مَا قَبْلَهَا وَبَيْنَ جُمْلَةِ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ [الْمَائِدَة: ٥٥] ، دَعَتْ لِاعْتِرَاضِهَا مُنَاسَبَةُ الْإِنْذَارِ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [الْمَائِدَة: ٥١] . فَتَعْقِيبُهَا بِهَذَا الِاعْتِرَاضِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ اتِّخَاذَ الْيَهُودِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute