للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الْحَج (٢٢) : آيَة ٦٥]

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٦٥)

هَذَا مِنْ نَسَقِ التَّذْكِيرِ بِنِعَمِ الله وَاقع موقه قَوْلِهِ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً [الْحَج: ٦٣] ، فَهُوَ مِنْ عِدَادِ الِامْتِنَانِ وَالِاسْتِدْلَالِ، فَكَانَ كالتكرير للغرض، وَلِذَلِكَ فُصِلَتِ الْجُمْلَةُ وَلَمْ تُعْطَفْ. وَهَذَا تَذْكِيرٌ بِنِعْمَةِ تَسْخِيرِ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ.

وَفِيهِ إِدْمَاجُ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى انْفِرَادِهِ بِالتَّسْخِيرِ. وَالتَّقْدِيرُ: فَهُوَ الرَّبُّ الْحَقُّ.

وَجُمْلَةُ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ مُسْتَأْنَفَةٌ كَجُمْلَةِ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاء [الْحَج: ٦٣] .

وَالْخِطَابُ هُنَا وَالِاسْتِفْهَامُ كِلَاهُمَا كَمَا فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ.

وَالتَّسْخِيرُ: تَسْهِيلُ الِانْتِفَاعِ بِدُونِ مَانِعٍ وَهُوَ يُؤْذِنُ بِصُعُوبَةِ الِانْتِفَاعِ لَوْلَا ذَلِكَ التَّسْخِيرُ، وَأَصْلُهُ تَسْهِيلُ الِانْتِفَاعِ بِمَا فِيهِ إِرَادَةُ التَّمَنُّعِ مِثْلُ تَسْخِيرِ الْخَادِمِ وَتَسْهِيلِ اسْتِخْدَامِ الْحَيَوَانِ الدَّاجِنِ مِنَ الْخَيْلِ، وَالْإِبِلِ، وَالْبَقْرِ، وَالْغَنَمِ وَنَحْوِهَا بِأَنْ جَعَلَ اللَّهُ فِيهَا طَبْعَ

الْخَوْفِ مِنَ الْإِنْسَانِ مَعَ تَهْيِئَتِهَا لِلْإِلْفِ بِالْإِنْسَانِ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى تَسْهِيلِ الِانْتِفَاعِ بِمَا فِي طَبْعِهِ أَوْ فِي حَالِهِ مَا يُعَذَّرُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لَوْلَا مَا أَلْهَمَ اللَّهُ إِلَيْهِ الْإِنْسَانَ مِنْ وَسَائِلِ التَّغَلُّبِ عَلَيْهَا بِتَعَرُّفِ نَوَامِيسِهِ وَأَحْوَالِهِ وَحَرَكَاتِهِ وَأَوْقَاتِ ظُهُورِهِ، وَبِالِاحْتِيَالِ عَلَى تَمَلُّكِهِ مِثْلِ صَيْدِ الْوَحْشِ وَمَغَاصَاتِ اللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ، وَمِثْلِ آلَاتِ الْحَفْرِ وَالنَّقْرِ لِلْمَعَادِنِ، وَمِثْلِ التَّشْكِيلِ فِي صُنْعِ الْفُلْكِ وَالْعَجَلِ، وَمِثْلِ التَّرْكِيبِ وَالتَّصْهِيرِ فِي صُنْعِ الْبَوَاخِرِ وَالْمَزْجِيَّاتِ وَالصِّيَاغَةِ، وَمِثْلِ الْإِرْشَادِ إِلَى ضَبْطِ أَحْوَالِ الْمَخْلُوقَاتِ