الْعَظِيمَةِ مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ وَالْأَنْهَارِ وَالْأَوْدِيَةِ وَالْأَنْوَاءِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، بِاعْتِبَارِ كَوْنِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ تَظْهَرُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَمَا لَا يُحْصَى مِمَّا يَنْتَفِعُ بِهِ الْإِنْسَانُ مِمَّا عَلَى الْأَرْضِ فَكُلُّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي مَعْنَى التَّسْخِيرِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي التَّسْخِيرِ آنِفًا فِي هَذِهِ السُّورَةِ. وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَسُورَةِ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِمَا، وَفِي كَلَامِنَا هُنَا زِيَادَةُ إِيضَاحٍ لِمَعْنَى التَّسْخِيرِ.
وَجُمْلَةُ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْفُلْكَ وَإِنَّمَا خُصَّ هَذَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْجَرْيَ فِي الْبَحْرِ هُوَ مَظْهَرُ التَّسْخِيرِ إِذْ لَوْلَا الْإِلْهَامُ إِلَى صُنْعِهَا عَلَى الصِّفَةِ الْمَعْلُومَةِ لَكَانَ حَظُّهَا مِنَ الْبَحْرِ الْغَرَقَ.
وَقَوْلُهُ بِأَمْرِهِ هُوَ أَمْرُ التَّكْوِينِ إِذْ جَعَلَ الْبَحْرَ صَالِحًا لِحَمْلِهَا، وَأَوْحَى إِلَى نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعْرِفَةَ صُنْعِهَا، ثُمَّ تَتَابَعَ إِلْهَامُ الصُّنَّاعِ لِزِيَادَةِ إِتْقَانِهَا.
وَالْإِمْسَاكُ: الشَّدُّ، وَهُوَ ضِدُّ الْإِلْقَاءِ. وَقَدْ ضُمِّنَ مَعْنَى الْمَنْعِ هُنَا وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا [فاطر: ٤١] فَيُقَدَّرُ حَرْفُ جَرٍّ لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ الْإِمْسَاكِ بَعْدَ هَذَا التَّضْمِينِ فَيُقَدَّرُ (عَنْ) أَوْ (مِنْ) .
وَمُنَاسَبَةُ عَطْفِ إِمْسَاكِ السَّمَاوَاتِ عَلَى تَسْخِيرِ مَا فِي الْأَرْضِ وَتَسْخِيرِ الْفُلْكِ أَنَّ إِمْسَاكَ السَّمَاءِ عَنْ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ضَرْبٌ مِنَ التَّسْخِيرِ لِمَا فِي عَظَمَةِ الْمَخْلُوقَاتِ السَّمَاوِيَّةِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ تَغَلُّبِهَا عَلَى الْمَخْلُوقَاتِ الْأَرْضِيَّةِ وَحَطْمِهَا إِيَّاهَا لَوْلَا مَا قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا مِنْ سُنَنٍ وَنُظُمٍ تَمْنَعُ مِنْ تَسَلُّطِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يس: ٤٠] . فَكَمَا سَخَّرَ اللَّهُ لِلنَّاسِ مَا ظهر عل وَجْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute