الْأَرْضِ مِنْ مَوْجُودَاتٍ مَعَ مَا فِي طَبْعِ كَثِيرٍ مِنْهَا مِنْ مُقْتَضَيَاتِ إِتْلَافِ الْإِنْسَانِ، وَكَمَا سَخَّرَ لَهُمُ الْأَحْوَالَ الَّتِي تَبْدُو لِلنَّاسِ مِنْ مَظَاهِرِ الْأُفُقِ مَعَ كَثْرَتِهَا وَسِعَتِهَا وَتَبَاعُدِهَا، وَمَعَ مَا فِي تِلْكَ الْأَحْوَالِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ تَعَذُّرِ الضَّبْطِ، كَذَلِكَ سَخَّرَ لِمَصْلَحَةِ النَّاسِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ بِالْإِمْسَاكِ
الْمُنَظَّمِ الْمَنُوطِ بِمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْله إِلَّا بِإِذْنِهِ أَيْ تَقْدِيرِهِ.
وَلَفْظُ السَّماءَ فِي قَوْلِهِ: وَيُمْسِكُ السَّماءَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى مَا قَابَلَ الْأَرْضَ فِي اصْطِلَاحِ النَّاسِ فَيَكُونُ كُلًّا شَامِلًا لِلْعَوَالِمِ الْعُلْوِيَّةِ كُلِّهَا الَّتِي لَا نُحِيطُ بِهَا عِلْمًا كَالْكَوَاكِبِ السَّيَّارَةِ وَمَا اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ وَمَا يَكْشِفُهُ لِلنَّاسِ فِي مُتَعَاقَبِ الْأَزْمَانِ.
وَيَكُونُ وُقُوعُهَا عَلَى الْأَرْضِ بِمَعْنَى الْخُرُورِ وَالسُّقُوطِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ بِتَدْبِيرِ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ جَعَلَ لِلسَّمَاءِ نِظَامًا يَمْنَعُهَا مِنَ الْخُرُورِ عَلَى الْأَرْضِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَيُمْسِكُ السَّماءَ امْتِنَانًا عَلَى النَّاسِ بِالسَّلَامَةِ مِمَّا يُفْسِدُ حَيَاتَهُمْ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ احْتِرَاسًا جَمْعًا بَيْنَ الامتنان والتخويف، ليَكُون النَّاسُ شَاكِرِينَ مُسْتَزِيدِينَ مِنَ النِّعَمِ خَائِفِينَ مِنْ غَضَبِ رَبِّهِمْ أَنْ يَأْذَنَ لِبَعْضِ السَّمَاءِ بِالْوُقُوعِ عَلَى الْأَرْضِ. وَقَدْ أَشْكَلَ الِاسْتِثْنَاءُ بِقَوْلِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَقِيلَ فِي دَفْعِ الْإِشْكَالِ: إِنَّ مَعْنَاهُ إِلَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَأْذَنُ اللَّهُ لَهَا فِي الْوُقُوعِ عَلَى الْأَرْضِ.
وَلَكِنْ لَمْ يَرِدْ فِي الْآثَارِ أَنَّهُ يَقَعُ سُقُوطُ السَّمَاءِ وَإِنَّمَا وَرَدَ تَشَقُّقُ السَّمَاءِ وَانْفِطَارُهَا. وَفِيمَا جَعَلْنَا ذَلِك احتراسا دفع لِلْإِشْكَالِ لِأَنَّ الِاحْتِرَاسَ أَمْرٌ فَرَضِيٌّ فَلَا يَقْتَضِي الِاسْتِثْنَاءُ وُقُوعَ الْمُسْتَثْنَى.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ السَّماءَ بِمَعْنَى الْمَطَرِ، كَقَوْلِ مُعَاوِيَةَ بْنِ مَالِكٍ:
إِذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ ... رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute