وَقَوْلِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ فِي حَدِيثِ «الْمُوَطَّأِ» : «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ»
، فَيَكُونُ مَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّ اللَّهَ بِتَقْدِيرِهِ جَعَلَ لِنُزُولِ الْمَطَرِ عَلَى الْأَرْضِ مَقَادِيرَ قَدَّرَ أَسْبَابَهَا، وَأَنَّهُ لَوِ اسْتَمَرَّ نُزُولُ الْمَطَرِ عَلَى الْأَرْضِ لَتَضَرَّرَ النَّاسُ فَكَانَ فِي إِمْسَاكِ نُزُولِهِ بِاطِّرَادٍ مِنْهُ عَلَى النَّاس، وَكَانَ فِي تَقْدِيرُ نُزُولِهِ عِنْدَ تَكْوِينِ اللَّهِ إِيَّاهُ مِنَّةً أَيْضًا. فَيَكُونُ هَذَا مُشْتَمِلًا عَلَى ذِكْرِ نِعْمَتَيْنِ: نِعْمَةِ الْغَيْثِ، وَنِعْمَةِ السَّلَامَةِ مِنْ طُغْيَانِ الْمِيَاهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ السَّمَاءِ قَدْ أُطْلِقَ عَلَى جَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ الْعُلْوِيَّةِ الَّتِي يَشْمَلُهَا لَفْظُ السَّماءَ الَّذِي هُوَ مَا عَلَا الْأَرْضَ فَأُطْلِقَ عَلَى مَا يَحْوِيهِ، كَمَا أُطْلِقَ لَفْظُ الْأَرْضِ عَلَى سُكَّانِهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها [الرَّعْد:
٤١] . فَاللَّهُ يُمْسِكَ مَا فِي السَّمَاوَاتِ مِنَ الشُّهُبِ وَمِنْ كُرَيَّاتِ الْأَثِيرِ وَالزَّمْهَرِيرِ عَنِ اخْتِرَاقِ كُرَةِ الْهَوَاءِ، وَيُمْسِكُ مَا فِيهَا مِنَ الْقُوَى كَالْمَطَرِ وَالْبَرَدِ وَالثَّلْجِ وَالصَّوَاعِقِ مِنَ الْوُقُوعِ عَلَى
الْأَرْضِ وَالتَّحَكُّكِ بِهَا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فِيمَا اعْتَادَ النَّاسُ إِذْنَهُ بِهِ مِنْ وُقُوعِ الْمَطَرِ وَالثَّلْجِ وَالصَّوَاعِقِ وَالشُّهُبِ وَمَا لَمْ يَعْتَادُوهُ مِنْ تَسَاقُطِ الْكَوَاكِبِ. فَيَكُونُ مُوقِعُ وَيُمْسِكُ السَّماءَ بَعْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ كَمَوْقِعِ قَوْلِهِ تَعَالَى: اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ فِي [سُورَةِ الْجَاثِيَةِ: ١٢- ١٣] .
وَيَكُونُ فِي قَوْلِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إدماجا بَيْنَ الِامْتِنَانِ وَالتَّخْوِيفِ: فَإِنَّ مِنَ الْإِذْنِ بِالْوُقُوعِ عَلَى الْأَرْضِ مَا هُوَ مَرْغُوبٌ لِلنَّاسِ، وَمِنْهُ مَا هُوَ مَكْرُوهٌ، وَهَذَا الْمَحْمَلُ الثَّالِثُ أَجْمَعُ لِمَا فِي الْمَحْمَلَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَأَوْجَزُ، فَهُوَ لِذَلِكَ أَنْسَبُ بِالْإِعْجَازِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute