للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ حَمَلَ الْإِذْنَ عَلَى التَّيْسِيرِ وَالْقَضَاءِ وَالْبَاءَ عَلَى أَنَّهَا ظَرْفُ لَغْوٍ فَرَأَى هَذَا الْقَيْدَ غَيْرَ جَزِيلِ الْفَائِدَةِ فَتَأَوَّلَ قَوْله: وَاللَّهُ يَدْعُوا بِمَعْنَى وَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ يَدْعُونَ وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ.

وَجُمْلَةُ وَيُبَيِّنُ معطوفة على يَدْعُوا يَعْنِي يَدْعُو إِلَى الْخَيْرِ مَعَ بَيَانِهِ وَإِيضَاحِهِ حَتَّى تَتَلَقَّاهُ النُّفُوسُ بِمَزِيدِ الْقَبُولِ وَتَمَامِ الْبَصِيرَةِ فَهَذَا كَقَوْلِهِ: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ [الْبَقَرَة: ٢١٩] فَفِيهَا مَعْنَى التَّذْيِيلِ وَإِنْ كَانَتْ وَارِدَةً بِغَيْرِ صِيغَتِهِ. وَلَعَلَّ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مِثْلِهِ مَجَازٌ فِي الْحُصُول الْقَرِيب.

[٢٢٢]

[سُورَة الْبَقَرَة (٢) : آيَة ٢٢٢]

وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (٢٢٢)

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [الْبَقَرَة: ٢٢١] ، بِمُنَاسَبَةِ أَنَّ تَحْرِيمَ نِكَاحِ الْمُشْرِكَاتِ يُؤْذِنُ بِالتَّنَزُّهِ عَنْ أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ لَا يَقْرَبُونَ نِسَاءَهُمْ إِذَا كُنَّ حُيَّضًا وَكَانُوا يُفْرِطُونَ فِي الِابْتِعَادِ مِنْهُنَّ مُدَّةَ الْحَيْضِ فَنَاسَبَ تَحْدِيدَ مَا يَكْثُرُ

وُقُوعُهُ وَهُوَ مِنَ الْأَحْوَالِ الَّتِي يُخَالِفُ فِيهَا الْمُشْرِكُونَ غَيْرَهُمْ، وَيَتَسَاءَلُ الْمُسْلِمُونَ عَنْ أَحَقِّ الْمَنَاهِجِ فِي شَأْنِهَا.

رُوِيَ أَنَّ السَّائِلَ عَنْ هَذَا هُوَ أَبُو الدَّحْدَاحِ ثَابِتُ بْنُ الدَّحْدَاحِ الْأَنْصَارِيُّ، وَرُوِيَ أَنَّ السَّائِلَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَرُوِيَ أَنَّهُ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ، فَالسُّؤَالُ حَصَلَ فِي مُدَّةِ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ فَذُكِرَ فِيهَا مَعَ مَا سَيُذْكَرُ مِنَ الْأَحْكَامِ.

وَالْبَاعِثُ عَلَى السُّؤَالِ أَنَّ أَهْلَ يَثْرِبَ قَدِ امْتَزَجُوا بِالْيَهُودِ وَاسْتَنُّوا بِسُنَّتِهِمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ، وَكَانَ الْيَهُودُ يَتَبَاعَدُونَ عَنِ الْحَائِضِ أَشَدَّ التَّبَاعُدِ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ فَفِي الْإِصْحَاحِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ سِفْرِ اللَّاوِيِّينَ «إِذَا كَانَتِ امْرَأَةٌ لَهَا سَيْلٌ دَمًا فِي لَحْمِهَا فَسَبْعَةُ أَيَّامٍ تَكُونُ فِي طَمْثِهَا وَكُلُّ مَنْ مَسَّهَا يَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ وَكُلُّ مَا تَضْطَجِعُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِسًا وَكُلُّ مَنْ مَسَّ فِرَاشَهَا يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ وَإِنِ اضْطَجَعَ مَعَهَا رَجُلٌ فَكَانَ طَمْثُهَا عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِسًا سَبْعَةَ أَيَّامٍ» . وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّ النَّصَارَى لَا يمتنعون من ذَلِكَ وَلَا أَحْسَبُ ذَلِكَ صَحِيحًا فَلَيْسَ فِي الْإِنْجِيلِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَإِنَّ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ مَنْ كَانَتِ الْحَائِضُ عِنْدَهُمْ مَبْغُوضَةً