فَقَدْ كَانَ بَنُو سُلَيْحٍ أَهْلُ بَلَدِ الْحَضْرِ، وَهُمْ مِنْ قُضَاعَةَ نَصَارَى إِنْ حَاضَتِ الْمَرْأَةُ أَخْرَجُوهَا مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الرَّبْضِ حَتَّى تَطْهُرَ وَفَعَلُوا ذَلِكَ بِنَصْرَةَ ابْنَةِ الضَّيْزَنِ مَلِكِ الْحَضْرِ، فَكَانَتِ الْحَالُ مَظِنَّةَ حِيرَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا الْأَمْرِ تَبْعَثُ عَلَى السُّؤَالِ عَنْهُ.
وَالْمَحِيضُ وَهُوَ اسْمٌ لِلدَّمِ الَّذِي يَسِيلُ مِنْ رَحِمِ الْمَرْأَةِ فِي أَوْقَاتٍ مُنْتَظِمَةٍ وَالْمَحِيضُ اسْمٌ عَلَى زِنَةِ مَفْعِلٍ مَنْقُولٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَصَادِرِ شَاذًّا عَنْ قِيَاسِهَا لِأَنَّ قِيَاسَ الْمَصْدَرِ فِي مِثْلِهِ فَتْحُ الْعَيْنِ قَالَ الزَّجَّاجُ «يُقَالُ حَاضَتْ حَيْضًا وَمَحَاضًا وَمَحِيضًا وَالْمَصْدَرُ فِي هَذَا الْبَابِ بَابُهُ الْمَفْعَلِ (بِفَتْحِ الْعَيْنِ) لَكِنَّ الْمَفْعِلَ (بِكَسْرِ الْعَيْنِ) جَيِّدٌ» وَوَجْهُ جَوْدَتِهِ مُشَابَهَتُهُ مُضَارِعَهُ لِأَنَّ الْمُضَارِعَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَهُوَ مِثْلُ الْمَجِيءِ وَالْمَبِيتِ، وَعِنْدِي أَنَّهُ لَمَّا صَارَ الْمَحِيضُ اسْمًا لِلدَّمِ السَّائِلِ مِنَ الْمَرْأَةِ عُدِلَ بِهِ عَنْ قِيَاسِ أَصْلِهِ مِنَ الْمَصْدَرِ إِلَى زِنَةِ اسْمِ الْمَكَانِ وَجِيءَ بِهِ عَلَى زِنَةِ الْمَكَانِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ صَارَ اسْمًا فَخَالَفُوا فِيهِ أَوْزَانَ الْأَحْدَاثِ إِشْعَارًا بِالنَّقْلِ فَرْقًا بَيْنَ الْمَنْقُولِ مِنْهُ وَالْمَنْقُولِ إِلَيْهِ، وَيُقَالُ حَيْضٌ وَهُوَ أَصْلُ الْمَصْدَرِ: يُقَالُ حَاضَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا سَالَ مِنْهَا كَمَا يُقَالُ حَاضَ السَّيْلُ إِذَا فَاضَ مَاؤُهُ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحَوْضُ حَوْضًا لِأَنَّهُ يَسِيلُ، أَبْدَلُوا يَاءَهُ وَاوًا وَلَيْسَ مَنْقُولًا مِنِ اسْمِ الْمَكَانِ إِذْ لَا مُنَاسَبَةَ لِلنَّقْلِ مِنْهُ، وَإِنَّمَا تَكَلَّفَهُ مَنْ زَعَمَهُ مَدْفُوعًا بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى قِيَاسِ اسْمِ الْمَكَانِ مُعْرِضًا عَمَّا فِي تَصْيِيرِهِ اسْمًا مِنَ التَّوَسُّعِ فِي مُخَالَطَةِ قَاعِدَةِ الِاشْتِقَاقِ.
وَالْمُرَادُ مِنَ السُّؤَالِ عَنِ الْمَحِيضِ السُّؤَالُ عَنْ قُرْبَانِ النِّسَاءِ فِي الْمَحِيضِ بِدَلَالَةِ الِاقْتِضَاءِ، وَقَدْ عَلِمَ السَّائِلُونَ مَا سَأَلُوا عَنْهُ وَالْجَوَابُ أَدَلُّ شَيْءٍ عَلَيْهِ.
وَالْأَذَى: الضُّرُّ الَّذِي لَيْسَ بِفَاحِشٍ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً [آل عمرَان: ١١١] ، ابْتَدَأَ جَوَابِهِمْ عَمَّا يَصْنَعُ الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ الْحَائِضِ فَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ الْحَيْضَ أَذًى لِيَكُونَ مَا يَأْتِي مِنَ النَّهْيِ عَنْ قرْبَان الْمَرْأَة الْحَائِض نهيا مُعَلَّلًا فَتَتَلَقَّاهُ النُّفُوسُ عَلَى بَصِيرَةٍ وَتَتَهَيَّأُ بِهِ الْأُمَّةُ لِلتَّشْرِيعِ فِي أَمْثَالِهِ، وَعَبَّرَ عَنْهُ بِأَذًى إِشَارَةً إِلَى إِبْطَالِ مَا كَانَ مِنَ التَّغْلِيطِ فِي شَأْنِهِ وَشَأْنِ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ فِي شَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ، وَقَدْ أَثْبَتَ أَنَّهُ أَذًى مُنَكَّرٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ جِهَتَهُ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْأَذَى فِي مُخَالَطَةِ الرَّجُلِ لِلْحَائِضِ وَهُوَ أَذًى لِلرَّجُلِ وَلِلْمَرْأَةِ وَلِلْوَلَدِ، فَأَمَّا أَذَى الرَّجُلِ فَأَوَّلُهُ الْقَذَارَةُ وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا الدَّم سَائل مِنْ عُضْوِ التَّنَاسُلِ لِلْمَرْأَةِ وَهُوَ يشْتَمل على بييضات دقيقة يكون مِنْهَا تُخْلَقُ الْأَجِنَّةُ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْحَيْضِ وَبَعْدَ أَنْ تختلط تِلْكَ البييضات بِمَاءِ الرَّجُلِ فَإِذَا انْغَمَسَ فِي الدَّمِ عُضْوُ التَّنَاسُلِ فِي الرَّجُلِ يَتَسَرَّبُ إِلَى قَضِيبِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الدَّمِ بِمَا فِيهِ فَرُبَّمَا احْتُبِسَ مِنْهُ جُزْءٌ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute