عَنْ تَوَجُّهِ الْإِرَادَةِ بِالتَّنْجِيزِ، فَبِتِلْكَ الْكَلِمَةِ كَانَ آدَمُ أَيْضًا كَلِمَةً مِنَ اللَّهِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يُوصَفْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعِ احْتِيَاجٌ إِلَى ذَلِكَ لِفَوَاتِ زَمَانِهِ.
وَإِنَّمَا قَالَ: فَيَكُونُ وَلَمْ يقل فَكَانَ لاستحضار صُورَةَ تَكَوُّنِهِ، وَلَا يُحْمَلُ الْمُضَارِعُ فِي مِثْلِ هَذَا إِلَّا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، مِثْلَ قَوْلِهِ: اللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً [فاطر:
٩] وَحَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ هَذَا هُنَا لَا وَجْهَ لَهُ.
وَقَوْلُهُ: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ: أَيْ هَذَا الْحَقُّ. وَمن رَبِّكَ حَالٌ مِنَ
الْحَقِّ. وَالْخِطَابُ فِي فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَقْصُودُ التَّعْرِيضُ بِغَيْرِهِ، وَالْمُعَرَّضُ بِهِمْ هُنَا هُمُ النَّصَارَى الْمُمْتَرُونَ الَّذِينَ امتروا فِي الإلاهية بِسَبَبِ تَحَقُّقِ أَنْ لَا أَب لعيسى.
[٦١]
[سُورَة آل عمرَان (٣) : آيَة ٦١]
فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (٦١)
تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ لِمَا فِيهِ مِنْ إِيمَاءٍ إِلَى أَنَّ وَفْدَ نَجْرَانَ مُمْتَرُونَ فِي هَذَا الَّذِي بَيَّنَ اللَّهُ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ: أَيْ فَإِنِ اسْتَمَرُّوا عَلَى مُحَاجَّتِهِمْ إِيَّاكَ مُكَابَرَةً فِي هَذَا الْحَقِّ أَوْ فِي شَأْنِ عِيسَى فَادْعُهُمْ إِلَى الْمُبَاهَلَةِ وَالْمُلَاعَنَةِ.
ذَلِكَ أَنَّ تَصْمِيمَهُمْ عَلَى مُعْتَقَدِهِمْ بَعْدَ هَذَا الْبَيَانِ مُكَابَرَةٌ مَحْضَةٌ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنِ الْعِلْمِ وَبَيَّنْتَ لَهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ أَوْضَحُ مِمَّا حَاجَجْتَهُمْ بِهِ فَعَلِمْتَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يُحَاجُّونَكَ عَنْ مُكَابَرَةٍ، وَقِلَّةِ يَقِينٍ، فَادْعُهُمْ إِلَى الْمُبَاهَلَةِ بِالْمُلَاعَنَةِ الْمَوْصُوفَةِ هُنَا.
وتَعالَوْا اسْمُ فِعْلٍ لِطَلَبِ الْقُدُومِ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ أَمْرٌ مِنْ تَعَالَى يَتَعَالَى إِذَا قَصَدَ الْعُلُوَّ، فكأنّهم أَرَادوا بِهِ فِي الْأَصْلِ أَمْرًا بِالصُّعُودِ إِلَى مَكَانٍ عَالٍ تَشْرِيفًا لِلْمَدْعُوِّ، ثُمَّ شَاعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute