حَتَّى صَارَ لِمُطْلَقِ الْأَمْرِ بِالْقُدُومِ أَوِ الْحُضُورِ، وَأُجْرِيَتْ عَلَيْهِ أَحْوَالُ اسْمِ الْفِعْلِ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى فَتْحِ آخِرِهِ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي فِرَاسٍ الْحَمْدَانِيِّ:
أَيَا جَارَتَا مَا أَنْصَفَ الدَّهْرُ بَيْنَنَا ... تَعَالَيْ أُقَاسِمْكِ الْهُمُومَ تَعَالِي
فَقَدْ لَحَّنُوهُ فِيهِ.
وَمَعْنَى تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ ائْتُوا وَادْعُوا أَبْنَاءَكُمْ وَنَحْنُ نَدْعُو أَبْنَاءَنَا إِلَى آخِرِهِ، وَالْمَقْصُودُ هُوَ قَوْلُهُ: ثُمَّ نَبْتَهِلْ إِلَى آخِرِهِ.
وَ (ثُمَّ) هُنَا لِلتَّرَاخِي الرُّتْبِيِّ.
وَالِابْتِهَالُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْبَهْلِ وَهُوَ الدُّعَاءُ بِاللَّعْنِ وَيُطْلَقُ عَلَى الِاجْتِهَادِ فِي الدُّعَاءِ مُطْلَقًا لِأَنَّ الدَّاعِيَ بِاللَّعْنِ يَجْتَهِدُ فِي دُعَائِهِ وَالْمُرَادُ فِي الْآيَةِ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ.
وَمعنى فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ فَنَدْعُ بِإِيقَاعِ اللَّعْنَةِ عَلَى الْكَاذِبِينَ. وَهَذَا الدُّعَاءُ إِلَى الْمُبَاهَلَةِ إِلْجَاءٌ لَهُمْ إِلَى أَنْ يَعْتَرِفُوا بِالْحَقِّ أَوْ يَكُفُّوا. رَوَى الْمُفَسِّرُونَ وَأَهْلُ السِّيرَةِ أَنَّ وَفْدَ نَجْرَانَ لَمَّا دَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُلَاعَنَةِ قَالَ لَهُمُ العاقب: نلاعنه فو الله لَئِنْ كَانَ نَبِيئًا
فَلَاعَنَنَا لَا نُفْلِحُ أَبَدًا وَلَا عَقِبُنَا مِنْ بَعْدِنَا فَلَمْ يُجِيبُوا إِلَى الْمُبَاهَلَةِ وَعَدَلُوا إِلَى الْمُصَالَحَةِ كَمَا سَيَأْتِي.
وَهَذِهِ الْمُبَاهَلَةُ لَعَلَّهَا مِنْ طُرُقِ التَّنَاصُفِ عِنْدَ النَّصَارَى فَدَعَاهُمْ إِلَيْهَا النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ.
وَإِنَّمَا جَمَعَ فِي الْمُلَاعَنَةِ الْأَبْنَاءَ وَالنِّسَاءَ: لِأَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَتْ مُكَابَرَتُهُمْ فِي الْحَقِّ وَحُبُّ الدُّنْيَا، عُلِمَ أَنَّ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ يَكُونُ أَهْلُهُ وَنِسَاؤُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ كَمَا قَالَ شُعَيْبٌ «أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ» وَأَنَّهُ يَخْشَى سُوءَ الْعَيْشِ، وَفُقْدَانَ الْأَهْلِ، وَلَا يَخْشَى عَذَابَ الْآخِرَةِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ الْمُشَارَكِ أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالَّذِينَ يَحْضُرُهُمْ لِذَلِكَ وَأَبْنَاءُ أَهْلِ الْوَفْدِ وَنِسَاؤُهُمُ اللَّائِي كُنَّ مَعَهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute