للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَفِي «السِّيرَةِ الْحَلَبِيَّةِ» أَنَّ الشَّيْخَ عِزَّ الدِّينِ بْنَ عَبْدِ السَّلَامِ أَلَّفَ كِتَابًا سَمَّاهُ «الشَّجَرَةَ» بَيَّنَ فِيهِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ اشْتَمَلَتْ عَلَى جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فِي سَائِرِ الْأَبْوَابِ الْفِقْهِيَّةِ وَسَمَّاهُ السُّبْكِيُّ فِي الطَّبَقَاتِ «شَجَرَةَ الْمَعَارِفِ» .

وَجُمْلَةُ يَعِظُكُمْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنِ اسْمِ الْجَلَالَةِ.

وَالْوَعْظُ: كَلَامٌ يُقْصَدُ مِنْهُ إِبْعَادُ الْمُخَاطَبِ بِهِ عَنِ الْفَسَادِ وَتَحْرِيضُهُ عَلَى الصَّلَاحِ.

وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [٦٣] .

وَالْخِطَابُ لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الْمَوْعِظَةَ مِنْ شَأْنِ مَنْ هُوَ مُحْتَاجٌ لِلْكَمَالِ النَّفْسَانِيِّ، وَلِذَلِكَ قَارَنَهَا بِالرَّجَاءِ بِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.

والتذكر: مُرَاجعَة المنسيّ الْمَغْفُولِ عَنْهُ، أَيْ رَجَاءَ أَنْ تَتَذَكَّرُوا، أَيْ تَتَذَكَّرُوا بِهَذِهِ الْمَوْعِظَةِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا جَامِعَةٌ بَاقِيَةٌ فِي نفوسكم.

[٩١]

[سُورَة النَّحْل (١٦) : آيَة ٩١]

وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (٩١)

لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِمِلَاكِ الْمَصَالِحِ وَنَهَاهُمْ عَنْ مِلَاكِ الْمَفَاسِدِ بِمَا أَوْمَأَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ:

يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [سُورَة النَّحْل: ٩٠] . فَكَانَ ذَلِكَ مُنَاسَبَةً حَسَنَةً لِهَذَا الِانْتِقَالِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَغْرَاضِ تَفَنُّنِ الْقُرْآنِ، وَأَوْضَحَ لَهُمْ أَنَّهُمْ قَدْ صَارُوا إِلَى كَمَالٍ وَخَيْرٍ بِذَلِكَ الْكِتَابِ الْمُبَيِّنِ لِكُلِّ شَيْءٍ. لَا جَرَمَ ذَكَّرَهُمُ الْوَفَاءَ بِالْعَهْدِ الَّذِي عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ عِنْد مَا أَسْلَمُوا، وَهُوَ مَا بَايَعُوا عَلَيْهِ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا فِيهِ: أَنْ لَا يَعْصُوهُ فِي مَعْرُوفٍ. وَقَدْ كَانَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذُ الْبَيْعَةَ عَلَى كُلِّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ وَقْتِ ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ فِي مَكَّةَ.

وَتَكَرَّرَتِ الْبَيْعَةُ قُبَيْلَ الْهِجْرَةِ وَبَعْدَهَا عَلَى أُمُورٍ أُخْرَى، مِثْلِ النُّصْرَةِ الَّتِي بَايَعَ عَلَيْهَا الْأَنْصَارُ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، وَمِثْلِ بَيْعَةِ الْحُدَيْبِيَةِ.