للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمُرَادُ بِ يَوْمَ الْحِسابِ مَا يَقَعُ فِيهِ مِنَ الْجَزَاءِ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَهُوَ فِي الْمَعْنَى عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ، أَيْ جَزَاءَ يَوْمِ الْحِسَابِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَداهُ

[الْكَهْف: ٥٧] ، أَيْ لَمْ يُفَكِّرْ فِي عَاقِبَةِ مَا يُقَدِّمُهُ مِنَ الْأَعْمَالِ. وَفِي جَعْلِ الضَّلَالِ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَنِسْيَانِ يَوْمِ الْحِسَابِ سَبَبَيْنِ لِاسْتِحْقَاقِ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ تَنْبِيهٌ عَلَى تَلَازُمِهِمَا فَإِنَّ الضَّلَالَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يُفْضِي إِلَى الْإِعْرَاضِ عَنْ مُرَاقَبَةِ الْجَزَاءِ. وَتَرْجَمَةُ دَاوُدَ تَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ فِي الْأَنْعَامِ [٨٤] وَقَوْلِهِ: وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً فِي النِّسَاء [١٦٣] .

[٢٧]

[سُورَة ص (٣٨) : آيَة ٢٧]

وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (٢٧)

لَمَّا جَرَى فِي خِطَابِ دَاوُدَ ذِكْرُ نِسْيَانِ يَوْمِ الْحِسَابِ وَكَانَ أقْصَى غايات ذَلِكَ النِّسْيَانِ جُحُودُ وُقُوعِهِ لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى عَدَمِ مُرَاعَاتِهِ وَمُرَاقَبَتِهِ أَبَدًا اعْتُرِضَ بَيْنَ الْقِصَّتَيْنِ بِثَلَاثِ آيَاتٍ لِبَيَانِ حِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي جَعْلِ الْجَزَاءِ وَيَوْمِهِ احْتِجَاجًا عَلَى مُنْكِرِيهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.

وَالْبَاطِلُ: ضِدُّ الْحَقِّ، فَكُلُّ مَا كَانَ غَيْرَ حَقٍّ فَهُوَ الْبَاطِلُ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: مَا خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ [الدُّخان: ٣٩] .

وَالْمُرَادُ بِالْحَقِّ الْمَأْخُوذِ مِنْ نَفْيِ الْبَاطِلِ هُنَا، هُوَ أَنَّ تِلْكَ الْمَخْلُوقَاتِ خُلِقَتْ عَلَى حَالَةٍ لَا تَخْرُجُ عَنِ الْحَقِّ إِمَّا حَالًا كَخَلْقِ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّسُلِ وَالصَّالِحِينَ، وَإِمَّا فِي الْمَآلِ كَخَلْقِ الشَّيَاطِينِ وَالْمُفْسِدِينَ لِأَنَّ إِقَامَةَ الْجَزَاءِ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدِ اسْتِدْرَاكٍ لِمُقْتَضَى الْحَقِّ.

وَقَدْ بُنِيَتْ هَذِهِ الْحُجَّةُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِأَحْوَالِ الْمُشَاهَدَاتِ وَهِيَ أَحْوَالُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا، وَالْمُشْرِكُونَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا، فَأُقِيمُ الدَّلِيلُ عَلَى أَسَاسِ مُقَدِّمَةٍ لَا نِزَاعَ فِيهَا، وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ ذَلِكَ وَأَنَّهُمْ إِذَا تَأَمَّلُوا أَدْنَى تَأَمُّلٍ وَجَدُوا مِنْ نِظَامِ هَذِهِ الْعَوَالِمِ دَلَالَةً تَحْصُلُ بِأَدْنَى