الْعُلَمَاءُ فِي الْخَلِيفَةِ شُرُوطًا كُلُّهَا تَحُومُ حَوْلَ الْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اتِّبَاعِ الْهَوَى وَمَا يُوَازِيهِ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْبَاطِلِ، وَهِيَ:
التَّكْلِيفُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالْعَدَالَةُ، وَالذُّكُورَةُ، وَأَمَّا شَرْطُ كَوْنِهِ مِنْ قُرَيْشٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَلِئَلَّا يَضْعُفَ أَمَامَ الْقَبَائِلِ بِغَضَاضَةٍ.
وَانْتَصَبَ فَيُضِلَّكَ بَعْدَ فَاءِ السَّبَبِيَّةِ فِي جَوَابِ النَّهْيِ. وَمَعْنَى جَوَابِ النَّهْيِ جَوَابُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَهُوَ السَّبَبُ فِي الضَّلَالِ وَلَيْسَ النَّهْيُ سَبَبًا فِي الضَّلَالِ. وَهَذَا بِخِلَافِ طَرِيقَةِ الْجَزْمِ فِي جَوَابِ النَّهْيِ.
وسَبِيلِ اللَّهِ: الْأَعْمَالُ الَّتِي تَحْصُلُ مِنْهَا مَرْضَاتُهُ وَهِيَ الْأَعْمَالُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا وَوَعَدَ بِالْجَزَاءِ عَلَيْهَا، شُبِّهَتْ بِالطَّرِيقِ الْمُوَصِّلِ إِلَى اللَّهِ، أَيْ إِلَى مَرْضَاتِهِ. وَجُمْلَةُ: إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِلَى آخِرِهَا يَظْهَرُ أَنَّهَا مِمَّا خَاطَبَ اللَّهُ بِهِ دَاوُدَ، وَهِيَ عِنْدَ أَصْحَابِ الْعَدَدِ آيَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ قَوْلِهِ: يَا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ إِلَى يَوْمَ الْحِسابِ، فَهِيَ فِي مَوْقِعِ الْعِلَّةِ لِلنَّهْيِ، فَكَانَتْ (إِنَّ) مُغْنِيَةً عَنْ فَاءِ التَّسَبُّبِ وَالتَّرَتُّبِ، فَالشَّيْءُ الَّذِي يُفْضِي إِلَى الْعَذَابِ الشَّدِيدِ خَلِيقٌ بِأَنْ يُنْهَى عَنْهُ، وَإِنْ كَانَتِ الْجُمْلَةُ كَلَامًا مُنْفَصِلًا عَنْ خِطَابِ دَاوُدَ كَانَتْ مُعْتَرِضَةً وَمُسْتَأْنَفَةً اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِبَيَانِ خَطَرِ الضَّلَالِ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ.
وَالْعُمُومُ الَّذِي فِي قَوْلِهِ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يُكْسِبُ الْجُمْلَةَ وَصْفَ التَّذْيِيلٍ أَيْضًا وَكِلَا الِاعْتِبَارَيْنِ مُوجِبٌ لِعَدَمِ عَطْفِهَا. وَجِيءَ بِالْمَوْصُولِ لِلْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّ الصِّلَةَ عِلَّةٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْعَذَابِ. وَاللَّامُ فِي لَهُمْ عَذابٌ لِلِاخْتِصَاصِ، وَالْبَاءُ فِي بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ سَبَبِيَّةٌ.
وَ (مَا) مَصْدَرِيَّةٌ، أَيْ بِسَبَبِ نِسْيَانِهِمْ يَوْمَ الْحِسَابِ، وَتَتَعَلَّقُ الْبَاءُ بِالِاسْتِقْرَارِ الَّذِي نَابَ عَنْهُ الْمَجْرُورُ فِي قَوْلِهِ: لَهُمْ عَذابٌ.
وَالنِّسْيَانُ: مُسْتَعَارٌ لِلْإِعْرَاضِ الشَّدِيدِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ نِسْيَانَ الْمُعْرِضِ عَنْهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [التَّوْبَة: ٦٧] ، وَهُوَ مَرَاتِبُ أَشَدُّهَا إِنْكَارُ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ، قَالَ تَعَالَى: فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِيناكُمْ [السَّجْدَة: ١٤] . وَدُونَهُ مَرَاتِبُ كَثِيرَةٌ تَكُونُ عَلَى وِفْقِ مَرَاتِبِ الْعَذَابَ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ السَّبَبُ ذَا مَرَاتِبَ كَانَتِ الْمُسَبَّبَاتُ تَبَعًا لِذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute