للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ٤٨]

لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ (٤٨)

الْجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ [التَّوْبَة: ٤٧] لِأَنَّهَا دَلِيلٌ بِأَنَّ ذَلِكَ دَيْدَنٌ لَهُمْ مِنْ قَبْلُ، إِذِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ لِلْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ يَوْمَ أُحُدٍ إِذِ انْخَزَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ بَعْدَ أَنْ وَصَلُوا إِلَى أُحُدٍ، وَكَانُوا ثُلُثَ الْجَيْشِ قَصَدُوا إِلْقَاءَ الْخَوْفِ فِي نُفُوسِ الْمُسْلِمِينَ حِينَ يَرَوْنَ انْخِزَالَ بَعْضِ جَيْشِهِمْ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: الَّذِينَ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ، وَقَفُوا عَلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ لِيَفْتِكُوا بِالنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وقَلَّبُوا بِتَشْدِيدِ اللَّامِ مُضَاعَفُ قَلَبَ الْمُخَفَّفِ، وَالْمُضَاعَفَةُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى قُوَّةِ الْفِعْلِ.

فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَلَبَ الشَّيْءَ إِذَا تَأَمَّلَ بَاطِنَهُ وَظَاهِرَهُ لِيَطَّلِعَ عَلَى دَقَائِقِ صِفَاتِهِ فَتَكُونُ الْمُبَالَغَةُ رَاجِعَةً إِلَى الْكَمِّ أَيْ كَثْرَةِ التَّقْلِيبِ، أَيْ ترددوا آراءهم وأعلموا الْمَكَائِدَ وَالْحِيَلَ لِلْإِضْرَارِ بِالنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَلَّبُوا مِنْ قَلَبَ بِمَعْنَى فَتَّشَ وَبَحَثَ، اسْتُعِيرَ التَّقْلِيبُ لِلْبَحْثِ وَالتَّفْتِيشِ لِمُشَابَهَةِ التَّفْتِيشِ لِلتَّقْلِيبِ فِي الْإِحَاطَةِ بِحَالِ الشَّيْءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ [الْكَهْف: ٤٢] فَيَكُونُ الْمَعْنَى، أَنَّهُمْ بَحَثُوا وَتَجَسَّسُوا لِلِاطِّلَاعِ عَلَى شَأْنِ الْمُسْلِمِينَ وَإِخْبَارِ الْعَدُوِّ بِهِ.

وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لَكَ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لَامُ الْعِلَّةِ، أَيْ لِأَجْلِكَ وَهُوَ مُجْمَلٌ يُبَيِّنُهُ قَوْلُهُ: لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ [التَّوْبَة: ٤٨] . فَالْمَعْنَى اتَّبَعُوا فِتْنَةً تَظْهَرُ مِنْكَ، أَيْ فِي أَحْوَالِكَ وَفِي أَحْوَالِ الْمُسْلِمِينَ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَلَّبُوا مُبَالَغَةً فِي قَلْبِ الْأَمْرِ إِذَا أَخْفَى مَا كَانَ ظَاهِرًا مِنْهُ وَأَبْدَى مَا كَانَ خَفِيًّا، كَقَوْلِهِمْ: قَلَبَ لَهُ ظَهْرَ الْمِجَنِّ. وَتَعْدِيَتُهُ بِاللَّامِ فِي قَوْلِهِ لَكَ ظَاهِرَةٌ.