للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَوْلُهُ: وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ أَيْ فِي جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، أَيْ مِنْ بَيْنِ الْمُسْلِمِينَ سَمَّاعُونَ لَهُمْ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ السَّمَّاعُونَ مُسْلِمِينَ يُصَدِّقُونَ مَا يَسْمَعُونَهُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ السَّمَّاعُونَ مُنَافِقِينَ مَبْثُوثِينَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.

وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ اعْتِرَاضٌ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ بَغْيَهُمُ الْفِتْنَةَ أَشَدُّ خَطَرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ فِي الْمُسْلِمِينَ فَرِيقًا تَنْطَلِي عَلَيْهِمْ حِيَلُهُمْ، وَهَؤُلَاءِ هُمْ سُذَّجُ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَعْجَبُونَ مِنْ أَخْبَارِهِمْ وَيَتَأَثَّرُونَ وَلَا يَبْلُغُونَ إِلَى تَمْيِيزِ التَّمْوِيهَاتِ وَالْمَكَائِدِ عَنِ الصِّدْقِ وَالْحَقِّ.

وَجَاءَ سَمَّاعُونَ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ اسْتِمَاعَهُمْ تَامٌّ وَهُوَ الِاسْتِمَاعُ الَّذِي يُقَارِنُهُ اعْتِقَادُ مَا يُسْمَعُ كَقَوْلِهِ: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ [الْمَائِدَة: ٤١] وَعَنِ الْحَسَنِ، وَمُجَاهِدٍ، وَابْنِ زَيْدٍ: مَعْنَى سَمَّاعُونَ لَهُمْ، أَيْ جَوَاسِيسُ يَسْتَمِعُونَ الْأَخْبَارَ وَيَنْقُلُونَهَا إِلَيْهِمْ، وَقَالَ قَتَادَة وجهور الْمُفَسِّرِينَ: مَعْنَاهُ وَفِيكُمْ مَنْ يَقْبَلُ مِنْهُمْ قَوْلَهُمْ وَيُطِيعُهُمْ، قَالَ النَّحَّاسُ الْأَغْلَبُ أَنَّ مَعْنَى سَمَّاعٍ يَسْمَعُ الْكَلَامَ وَمِثْلُهُ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ [الْمَائِدَة: ٤١] .

وَأَمَّا مَنْ يَقْبَلُ مَا يَسْمَعُهُ فَلَا يَكَادُ يُقَالُ فِيهِ إِلَّا سَامِعٌ مِثْلُ قَائِلٍ.

وَجِيءَ بِحَرْفِ (فِي) مِنْ قَوْلِهِ: وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ الدَّالِّ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ دُونَ حَرْفِ (مِنْ) فَلَمْ يَقُلْ وَمِنْكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ أَوْ وَمِنْهُمْ سَمَّاعُونَ، لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ تَخْصِيصُ السَّمَّاعِينَ بِجَمَاعَةٍ مِنْ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ دُونَ الْآخَرِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ السَّمَّاعِينَ لَهُمْ فَرِيقَانِ فَرِيقٌ مِنَ

الْمُؤْمِنِينَ وَفَرِيقٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ أَنْفُسِهِمْ مَبْثُوثُونَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ لِإِلْقَاءِ الْأَرَاجِيفِ وَالْفِتْنَةِ وَهُمُ الْأَكْثَرُ فَكَانَ اجْتِلَابُ حَرْفِ (فِي) إِيفَاءً بِحَقِّ هَذَا الْإِيجَازِ الْبَدِيعِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُلَائِمُ لِمَحْمَلَيْ لَفَظِ سَمَّاعُونَ فَقَدْ حَصَلَتْ بِهِ فَائِدَتَانِ.

وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ تَذْيِيلٌ قُصِدَ مِنْهُ إِعْلَامُ الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَحْوَالَ الْمُنَافِقِينَ الظَّالِمِينَ لِيَكُونُوا مِنْهُمْ عَلَى حَذَرٍ، وَلِيَتَوَسَّمُوا فِيهِمْ مَا وَسَمَهُمُ الْقُرْآنُ بِهِ، وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ الِاسْتِمَاعَ لَهُمْ هُوَ ضَرْبٌ مِنَ الظُّلْمِ.

وَالظُّلْمُ هُنَا الْكُفْرُ وَالشِّرْكُ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لُقْمَان: ١٣] .