للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَذِكْرُ شَرْطِ الْمَشِيئَةِ هُنَا فَائِدَتُهُ التَّعْلِيمُ بِأَنَّهُ تَعَالَى لَا مُكْرِهَ لَهُ، فَجَمَعَتِ الْآيَةُ الْإِشَارَةَ إِلَى صِفَةِ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ وَإِلَى صِفَةِ الْإِرَادَةِ وَالِاخْتِيَارِ.

وَإِعَادَةُ شَرْطِ الْمَشِيئَةِ فِي الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفَةِ لِتَأْكِيدِ تَسَلُّطِ الْمَشِيئَةِ عَلَى الْحَالَتَيْنِ.

وَجُمْلَةُ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا زِيَادَةٌ لِبَيَانِ أَنَّ الْهِدَايَةَ وَالضَّلَالَ مِنْ جَعْلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ النبيء غير مسؤول عَنِ اسْتِمْرَارِ مَنِ اسْتَمَرَّ فِي الضَّلَالَةِ. إِزَالَةً لِلْحَرَجِ عَنْهُ فِيمَا يَجِدُهُ مِنْ عَدَمِ اهْتِدَاءِ مَنْ يَدْعُوهُمْ، أَيْ مَا أَرْسَلْنَاكَ لِتُجْبِرَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ وَإِنَّمَا أَرْسَلْنَاكَ دَاعِيًا.

وَالْوَكِيلُ عَلَى الشَّيْءِ: هُوَ الْمَسْئُولُ بِهِ. وَالْمَعْنَى: أَرْسَلْنَاكَ نَذِيرًا وَدَاعِيًا لَهُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا، فَيُفِيدُ مَعْنَى الْقَصْرِ لِأَنَّ كَوْنَهُ دَاعِيًا وَنَذِيرًا مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ فَإِذَا نُفِيَ عَنْهُ أَنْ يكون وَكيلا وملجئا آلَ إِلَى مَعْنَى: مَا أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ.

وَضَمِيرُ عَلَيْهِمْ عَائِدٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، كَمَا عَادَتْ إِلَيْهِمْ ضَمَائِرُ عَلى قُلُوبِهِمْ [الْإِسْرَاء: ٤٦] وَمَا بَعْدَهُ مِنَ الضَّمَائِرِ اللَّائِقَةِ بِهِمْ.

وعَلَيْهِمْ مُتَعَلِّقٌ بِ وَكِيلًا. وَقُدِّمَ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ لِلِاهْتِمَامِ وَلِلرِّعَايَةِ على الفاصلة.

[٥٥]

[سُورَة الْإِسْرَاء (١٧) : آيَة ٥٥]

وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (٥٥)

تَمَاثُلُ الْقَرِينَتَيْنِ فِي فَاصْلِتَيْ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ كَلِمَةِ وَالْأَرْضِ وَكَلِمَةِ عَلى بَعْضٍ، يَدُلُّ دَلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى أَنَّهُمَا كَلَامٌ مُرْتَبِطٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، وَأَنْ لَيْسَ قَوْلُهُ: وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ تَكْمِلَةً لِآيَةِ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ [الْإِسْرَاء: ٥٤] الْآيَةَ.