للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سُورَة الْأَنْعَام (٦) : آيَة ٩٢]

وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٩٢)

وَهذا كِتابٌ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ قُلِ اللَّهُ [الْأَنْعَام: ٩١] ، أَيْ وَقُلْ لَهُمُ اللَّهُ أَنْزَلَ الْكِتَابَ عَلَى مُوسَى وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ. وَالْإِشَارَةُ إِلَى الْقُرْآنِ لِأَنَّ الْمُحَاوَلَةَ فِي شَأْنِهِ مِنِ ادِّعَائِهِمْ نَفِيَ نُزُولِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَمِنْ تَبْكِيتِهِمْ بِإِنْزَالِ التَّوْرَاةِ، يَجْعَلُ الْقُرْآنَ كَالْحَاضِرِ الْمُشَاهَدِ، فَأَتَى بِاسْمِ الْإِشَارَةِ لِزِيَادَةِ تَمْيِيزِهِ تَقْوِيَةً لِحُضُورِهِ فِي الْأَذْهَانِ.

وَافْتِتَاحُ الْكَلَامِ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ الْمُفِيدِ تَمْيِيزَ الْكِتَابِ أَكْمَلَ تَمْيِيزٍ، وَبِنَاء فعل أَنْزَلْناهُ عَلَى خَبَرِ اسْمِ الْإِشَارَةِ، وَهُوَ كِتابٌ الَّذِي هُوَ عَيْنُهُ فِي الْمَعْنَى، لِإِفَادَةِ التَّقْوِيَةِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَهَذَا أَنْزَلْنَاهُ.

وَجَعَلَ كِتابٌ الَّذِي حَقُّهُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولَ أَنْزَلْنَا مُسْنَدًا إِلَيْهِ، وَنَصَبَ فِعْلَ أَنْزَلْنَا لِضَمِيرِهِ، لِإِفَادَةِ تَحْقِيقِ إِنْزَالِهِ بِالتَّعْبِيرِ عَنْهُ مَرَّتَيْنِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ لِلتَّنْوِيهِ بِشَأْنِ هَذَا الْكِتَابِ.

وَجُمْلَةُ: أَنْزَلْناهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَالًا مِنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ، أَوْ مُعْتَرِضَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَبَرِهِ. ومُبارَكٌ خَبَرٌ ثَانٍ. وَالْمُبَارَكُ اسْمٌ مَفْعُولٌ مِنْ بَارَكَهُ، وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَبَارَكَ فِيهِ، وَبَارَكَ لَهُ، إِذَا جَعَلَ لَهُ الْبَرَكَةَ. وَالْبَرَكَةُ كَثْرَةُ الْخَيْرِ وَنَمَاؤُهُ يُقَالُ: بَارَكَهُ. قَالَ تَعَالَى: أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها [النَّمْل: ٨] ، وَيُقَالُ: بَارَكَ فِيهِ، قَالَ تَعَالَى: وَبارَكَ فِيها [فصلت: ١٠] .

وَلَعَلَّ قَوْلَهُمْ (بَارَكَ فِيهِ) إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَا كَانَتِ الْبَرَكَةُ حَاصِلَةً لِلْغَيْرِ فِي زَمَنِهِ أَوْ مَكَانِهِ، وَأَمَّا (بَارَكَهُ) فَيَتَعَلَّقُ بِهِ مَا كَانَتِ الْبَرَكَةُ صِفَةً لَهُ، وَ (بَارَكَ