وَجُمْلَةُ: وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ إِلَخْ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: وَما تَكُونُ فِي شَأْنٍ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ التَّذْيِيلِ لِمَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ التَّعْمِيمِ فِي تَعَلُّقِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِجَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ بَعْدَ الْكَلَامِ عَلَى تَعَلُّقِهِ بِعَمَلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ.
وَالْعُزُوبُ: الْبُعْدُ، وَهُوَ مَجَازٌ هُنَا لِلْخَفَاءِ وَفَوَاتِ الْعِلْمِ، لِأَنَّ الْخَفَاءَ لَازِمٌ لِلشَّيْءِ الْبَعِيدِ، وَلِذَلِكَ عَلَّقَ بِاسْمِ الذَّاتِ دُونَ صِفَةِ الْعِلْمِ فَقَالَ: عَنْ رَبِّكَ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ يَعْزُبُ- بِضَمِّ الزَّايِ-، وَقَرَأَهُ الْكِسَائِيُّ- بِكَسْرِ الزَّايِ- وَهُمَا
وَجْهَانِ فِي مُضَارِعِ (عَزَبَ) .
وَ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ: مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ مَزِيدَةٌ لِتَأْكِيدِ عُمُومِ النَّفْيِ الَّذِي فِي مَا يَعْزُبُ.
وَالْمِثْقَالُ: اسْمُ آلَةٍ لِمَا يُعْرَفُ بِهِ مِقْدَارُ ثِقَلِ الشَّيْءِ فَهُوَ وَزْنُ مِفْعَالٍ مِنْ ثَقُلَ، وَهُوَ اسْمٌ لِصَنْجٍ مُقَدَّرٍ بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ يُوزَنُ بِهِ الثِّقَلُ.
وَالذَّرَّةُ: النَّمْلَةُ الصَّغِيرَةُ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْهَبَاءَةِ الَّتِي تُرَى فِي ضَوْءِ الشَّمْسِ كَغُبَارٍ دَقِيقٍ جِدًّا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ فِي الْآيَةِ الْأَوَّلُ. وَذُكِرَتِ الذَّرَةُ مُبَالَغَةً فِي الصِّغَرِ وَالدِّقَّةِ لِلْكِنَايَةِ بِذَلِكَ عَنْ إِحَاطَةِ الْعِلْمِ بِكُلِّ شَيْءٍ فَإِنَّ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الذَّرَّةِ يَكُونُ أَوْلَى بِالْحُكْمِ.
وَالْمُرَادُ بِالْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ هُنَا الْعَالَمُ السُّفْلِيُّ وَالْعَالَمُ الْعُلْوِيُّ. وَالْمَقْصُودُ تَعْمِيمُ الْجِهَاتِ وَالْأَبْعَادِ بِأَخْصَرِ عِبَارَةٍ. وَتَقْدِيمُ الْأَرْضِ هُنَا لِأَنَّ مَا فِيهَا أَعْلَقُ بِالْغَرَضِ الَّذِي فِيهِ الْكَلَامُ وَهُوَ أَعْمَالُ النَّاسِ فَإِنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ بِخِلَافِ مَا فِي سُورَةِ سَبَأٍ [٣] عالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَقَامُ لِذِكْرِ عِلْمِ الْغَيْبِ وَالْغَيْبُ مَا غَابَ عَنِ النَّاسِ وَمُعْظَمُهُ فِي السَّمَاءِ لَاءَمَ ذَلِكَ أَنْ قُدِّمَتِ السَّمَاءُ عَلَى الْأَرْضِ.
وَعُطِفَ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ عَلَى ذَرَّةٍ تَصْرِيحًا بِمَا كُنِّيَ عَنْهُ بِمِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنْ جَمِيعِ الْأَجْرَامِ.
وأَصْغَرَ بِالْفَتْحِ فِي قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ مَمْنُوعًا مِنَ الصَّرْفِ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى ذَرَّةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute