عِتِيًّا فِي سُورَةِ مَرْيَمَ [٦٩] . وَذَلِكَ أَنَّ الْأُمَمَ تَأْتِي إِلَى الْمَحْشَرِ تَتْبَعُ أَنْبِيَاءَهَا، وَهَذَا الْمَجِيءُ الْأَوَّلُ، ثُمَّ تَأْتِي الْأَنْبِيَاءُ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَنْ آمَنُوا بِهِ كَمَا وَرَدَ فِي الحَدِيث «يَأْتِي النبيء مَعَه الرَّهْط والنبيء وَحْدَهُ مَا مَعَهُ أَحَدٌ» .
وَالْتُفِتَ مِنَ الْغِيبَةِ إِلَى التَّكَلُّمِ فِي وَنَزَعْنا لإِظْهَار عَظمَة التَّكَلُّم، وَعُطِفَ فَقُلْنا عَلَى وَنَزَعْنا لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ. وَالْمُخَاطَبُ بِ هاتُوا هُمُ الْمُشْرِكُونَ، أَيْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ عَلَى إِلَهِيَّةِ أَصْنَامِكُمْ.
وهاتُوا اسْمُ فِعْلٍ مَعْنَاهُ نَاوِلُوا، وهات مَبْنِيٌّ عَلَى الْكَسْرِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١١١] ، وَاسْتُعِيرَتِ الْمُنَاوَلَةُ لِلْإِظْهَارِ.
وَالْأَمْرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْجِيزِ فَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ فِيمَا زَعَمُوهُ مِنَ الشُّرَكَاءِ، وَلَمَّا عَلِمُوا عَجْزَهُمْ مِنْ إِظْهَارِ بُرْهَانٍ لَهُمْ فِي جَعْلِ الشُّرَكَاءِ لِلَّهِ أَيْقَنُوا أَنَّ الْحَقَّ مُسْتَحَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، أَيْ عَلِمُوا عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّهُمْ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي إِثْبَاتِ الشُّرَكَاءِ وَأَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ إِذْ كَانَ يَنْهَاهُمْ عَنِ الشِّرْكِ عَلَى لِسَانِ الرَّسُولِ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ إِذْ نَادَاهُمْ بِأَمْرِ التَّعْجِيزِ فِي قَوْلِهِ هاتُوا بُرْهانَكُمْ.
وَمَا كانُوا يَفْتَرُونَ يَشْمَلُ مَا كَانُوا يَكْذِبُونَهُ مِنَ الْمَزَاعِمِ فِي إِلَهِيَّةِ الْأَصْنَامِ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ لَهُ الْإِلَهِيَّةَ مِنَ الْأَصْنَامِ، كُلُّ ذَلِكَ كَانُوا يَفْتَرُونَهُ.
وَالضَّلَالُ: أَصْلُهُ عَدَمُ الِاهْتِدَاءِ إِلَى الطَّرِيقِ. وَاسْتُعِيرَ هُنَا لِعَدَمِ خُطُورِ الشَّيْءِ فِي الْبَالِ وَلِعَدَمِ حُضُورِهِ فِي الْمَحْضَرِ مِنِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي مَجَازِيهِ.
وعَنْهُمْ مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلِ ضَلَّ. وَالْمُرَادُ: ضَلَّ عَنْ عُقُولِهِمْ وَعَنْ مَقَامِهِمْ مُثِّلُوا بِالْمَقْصُودِ لِلسَّائِرِ فِي طَرِيق حِين يخطىء الطَّرِيقَ فَلَا يَبْلُغُ الْمَكَانَ الْمَقْصُودَ. وَعُلِّقَ بِالضَّلَالِ ضَمِيرُ ذَوَاتِهِمْ لِيَشْمَلَ ضَلَالَ الْأَمْرَيْنِ فَيُفِيدُ أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا حُجَّةً يُرَوِّجُونَ بِهَا زَعْمَهُمْ إِلَهِيَّةَ الْأَصْنَامِ، وَلَمْ يَجِدُوا الْأَصْنَامَ حَاضِرَةً لِلشَّفَاعَةِ فِيهِمْ فَوَجِمُوا عَنِ الْجَوَابِ وَأَيْقَنُوا بِالْمُؤَاخَذَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute