وَالْأَكْثَرُ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا مَاضِيًا، وَقَدْ يَكُونُ مُضَارِعًا لِلدَّلَالَةِ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ كَمَا هُنَا.
وَلَا حَاجَةَ إِلَى تَأْوِيلِهِ بِالْمَاضِي فِي التَّحَقُّقِ.
وَمِنَ النَّحْوِيِّينَ مَنْ أَوْجَبَ دُخُولَهَا عَلَى الْمَاضِي، وَتَأَوَّلَ نَحْوَ الْآيَةِ بِأَنَّهُ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْمَاضِي لِتَحَقُّقِهِ. وَمَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ هُنَا وَاضِحٌ لِأَنَّ الْكُفَّارَ لَمْ يَوَدُّوا أَنْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ قَبْلَ ظُهُورِ قُوَّةِ الْإِسْلَامِ مِنْ وَقْتِ الْهِجْرَةِ.
وَالْكَلَامُ خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّهْدِيدِ وَالتَّهْوِيلِ فِي عَدَمِ اتِّبَاعِهِمْ دِينَ الْإِسْلَامِ. وَالْمَعْنَى:
قَدْ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا أَسْلَمُوا.
وَالتَّقْلِيلُ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّهَكُّمِ وَالتَّخْوِيفِ، أَيِ احْذَرُوا وَدَادَتَكُمْ أَنْ تَكُونُوا مُسْلِمِينَ، فَلَعَلَّهَا أَنْ تَقَعَ نَادِرًا كَمَا يَقُولُ الْعَرَبُ فِي التَّوْبِيخِ: لَعَلَّكَ سَتَنْدَمُ عَلَى فِعْلِكَ، وَهُمْ لَا يَشُكُّونَ فِي تَنَدُّمِهِ، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ النَّدَمُ مَشْكُوكًا فِيهِ لَكَانَ حَقًّا عَلَيْكَ أَنْ تَفْعَلَ مَا قَدْ تَنَدَمُ عَلَى التَّفْرِيطِ فِيهِ لِكَيْ لَا تَنْدَمَ، لِأَنَّ الْعَاقِلَ يَتَحَرَّزُ مِنَ الضُّرِّ الْمَظْنُونِ كَمَا يَتَحَرَّزُ مِنَ الْمُتَيَقَّنِ.
وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ قَدْ يَوَدُّونَ أَنْ يَكُونُوا أَسْلَمُوا وَلَكِنْ بَعْدَ الْفَوَاتِ.
وَالْإِتْيَانُ بِفِعْلِ الْكَوْنِ الْمَاضِي لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُمْ يَوَدُّونَ الْإِسْلَامَ بَعْدَ مُضِيِّ وَقْتِ التَّمَكُّنِ مِنْ إِيقَاعِهِ، وَذَلِكَ عِنْد مَا يُقْتَلُونَ بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ، وَعِنْدَ حُضُورِ يَوْمِ الْجَزَاءِ، وَقَدْ وَدَّ الْمُشْرِكُونَ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا حِينَ شَاهَدُوا نَصْرَ الْمُسْلِمِينَ.
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: وَدَّ كُفَّارُ قُرَيْشٍ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ حِينَ رَأَوْا نَصْرَ الْمُسْلِمِينَ. وَيَتَمَنَّوْنَ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ حِينَ يُسَاقُونَ إِلَى النَّارِ لِكُفْرِهِمْ، قَالَ تَعَالَى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا [سُورَة الْفرْقَان: ٢٧] . وَكَذَلِكَ إِذَا أُخْرِجَ عُصَاةُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ النَّارِ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي النَّارِ لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ، عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ وَدُّوا ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ وَكَتَمُوهُ فِي نُفُوسِهِمْ عِنَادًا وَكُفْرًا. قَالَ تَعَالَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute