النَّصَارَى حَرْفًا حَرْفًا تَدْرِيبًا وَتَقْرِيبًا فَإِذَا سَمَّيْتُ لَهُ حَرْفًا أَعْجَمِيًّا يَكْتُبُ لِي حَرْفًا عَرَبِيًّا حَتَّى اسْتَوْفَى جَمِيعَ حُرُوفِ الْهِجَاءِ وَأَوْصَانِي أَنْ أَكْتُمَ ذَلِكَ حَتَّى عَنْ وَالِدَتِي وَعَمِّي وَأَخِي مَعَ أَنَّهُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ أَلْقَى نَفْسَهَ لِلْهَلَاكِ لِإِمْكَانِ أَنْ أُخْبِرَ بِذَلِكَ عَنْهُ فَيُحْرَقَ لَا مَحَالَةَ وَقَدْ كَانَ يلقّنني مَا أقوله عِنْدَ رُؤْيَتِيَ الْأَصْنَامَ، فَلَمَّا تَحَقَّقَ وَالِدِي أَنِّي أَكْتُمُ أُمُورَ دِينِ الْإِسْلَامِ أَمَرَنِي أَنْ أَتَكَلَّمَ بِإِفْشَائِهِ لِوَالِدَتِي وَبَعْضِ الْأَصْدِقَاءِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَسَافَرْتُ الْأَسْفَارَ مِنْ جِيَّانَ لِأَجْتَمِعَ بِالْمُسْلِمِينَ الْأَخْيَارِ إِلَى غَرْنَاطَةَ وَأَشْبِيلِيَّةَ وَطُلَيْطِلَةَ وَغَيْرِهَا مِنْ مُدُنِ الْجَزِيرَةِ الْخَضْرَاءِ، فَتَخَلَّصَ لِي مِنْ مَعْرِفَتِهِمْ أَنِّي مَيَّزْتُ مِنْهُمْ سَبْعَةَ رِجَالٍ كَانُوا يُحَدِّثُونَنِي بِأَحْوَالِ غَرْنَاطَةَ وَمَا كَانَ بِهَا فِي الْإِسْلَامِ وَقَدْ مَرُّوا كُلُّهُمْ عَلَى شَيْخٍ مِنْ مَشَائِخِ غَرْنَاطَةَ يُقَالُ لَهُ الْفَقِيهُ الْأَوْطُورِيُّ ... » إِلَخْ.
وَإِيثَارُ فِعْلِ أَلْحَقْنا دُونَ أَنْ يُقَالَ: أَدْخَلْنَا مَعَهُمْ، أَوْ جعلنَا مَعَهم لَعَلَّه لِمَا فِي مَعْنَى الْإِلْحَاقِ من الصلاحية للفور وَالتَّأْخِيرِ، فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الْإِلْحَاقُ بَعْدَ إِجْرَاءِ عِقَابٍ عَلَى بَعْضِ الذُّرِّيَّةِ اسْتَحَقُّوهُ بِسَيِّئَاتِهِمْ عَلَى مَا فِي الْأَعْمَالِ مِنْ تَفَاوُتٍ فِي اسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ مِنْ عِبَادِهِ. وَفِعْلُ الْإِلْحَاقِ يَقْتَضِي أَنَّ الذُّرِّيَّاتِ صَارُوا فِي دَرَجَاتِ آبَائِهِمْ. وَفِي الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ الصِّيغَتَيْنِ تَفَنُّنٌ لِدَفْعِ إِعَادَةِ اللَّفْظِ.
وأَلَتْناهُمْ نَقَصْنَاهُمْ، يُقَالُ: آلَتَهُ حَقَّهُ، إِذَا نَقَصَهُ إِيَّاهُ، وَهُوَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَمِنْ بَابَ عَلِمَ.
فَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِفَتْحِ لَامِ أَلَتْناهُمْ. وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ بِكَسْرِ لَامِ أَلَتْناهُمْ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً فِي سُورَةِ الْحُجُرَاتِ [١٤] . وَالْوَاوُ لِلْحَالِ وَضَمِيرُ الْغَيْبَةِ عَائِدٌ إِلَى الَّذِينَ آمَنُوا.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ أَلْحَقَ بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ فِي الدَّرَجَةِ فِي الْجَنَّةِ فَضْلًا مِنْهُ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا دُونَ عِوَضٍ احْتِرَاسًا مِنْ أَنْ يَحْسَبُوا أَنَّ إِلْحَاقَ ذُرِّيَّاتِهِمْ بِهِمْ بَعْدَ عَطَاءِ نَصِيبٍ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ لِذُرِّيَاتِهِمْ لِيَدْخُلُوا بِهِ الْجَنَّةَ عَلَى مَا هُوَ مُتَعَارَفٌ عِنْدَهُمْ فِي فَكِّ الْأَسِيرِ، وَحَمَالَةِ الدِّيَاتِ، وَخَلَاصِ الْغَارِمِينَ، وَعَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute