وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلنَّوْعِيَّةِ، أَيْ بِمَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ حَقِيقَةُ الْإِيمَانِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَاتَّبَعَتْهُمْ بِهَمْزَةِ وَصَلٍ وَبِتَشْدِيدِ التَّاءِ الْأُولَى وَبِتَاءٍ بَعْدَ الْعَيْنِ هِيَ تَاءُ تَأْنِيثِ ضَمِيرِ الْفِعْلِ. وَقَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو وَحْدَهُ وَأَتْبَعْناهُمْ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ وَسُكُونِ التَّاءِ.
وَقَوْلُهُ: ذُرِّيَّتُهُمْ الْأَوَّلُ قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ. وَقَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو ذُرِّيَّاتِهِمْ بِصِيغَةِ جَمْعِ ذُرِّيَّةٍ فَهُوَ مَفْعُولُ أَتْبَعْناهُمْ. وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ أَيْضًا
لَكِنْ مَرْفُوعًا عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ اتَّبَعَتْهُمْ، فَيَكُونُ الْإِنْعَامُ عَلَى آبَائِهِمْ بِإِلْحَاقِ ذُرِّيَّاتِهِمْ بِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلُوا مِثْلَ عَمَلِهِمْ.
وَقَدْ
رَوَى جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الطَّبَرِيُّ وَالْبَزَّارُ وَابْنُ عَدِيٍّ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ حَدِيثًا مُسْنَدًا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ ذُرِّيَّةَ الْمُؤْمِنِ فِي دَرَجَتِهِ وَإِنْ كَانُوا دُونَهُ (أَيْ فِي الْعَمَلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ الْقُرْطُبِيِّ) لِتَقَرَّ بِهِمْ عَيْنُهُ ثُمَّ قَرَأَ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ إِلَى قَوْلِهِ: مِنْ شَيْءٍ
. وَعَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ هُوَ نِعْمَةٌ جَمَعَ اللَّهُ بِهَا لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْوَاعَ الْمَسَرَّةِ بِسَعَادَتِهِمْ بِمُزَاوَجَةِ الْحُورِ وَبِمُؤَانَسَةِ الْإِخْوَانِ الْمُؤْمِنِينَ وَبِاجْتِمَاعِ أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ بِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ فِي طَبْعِ الْإِنْسَانِ التَّأَنُسَ بِأَوْلَادِهِ وَحُبَّهُ اتِّصَالَهُمْ بِهِ.
وَقَدْ وَصَفَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّفِيعِ الْجَعْفَرِيُّ الْمُرْسِيُّ الْأَنْدَلُسِيُّ نَزِيلُ تُونِسَ سَنَةَ ١٠١٣ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَلْفٍ فِي كِتَابٍ لَهُ سَمَّاهُ «الْأَنْوَارُ النَّبَوِيَّةُ فِي آبَاءِ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ» (١) قَالَ فِي خَاتِمَةِ الْكِتَابِ «قَدْ أَطْلَعَنِي اللَّهُ تَعَالَى عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ بَوَاسِطَةِ وَالِدِي وَأَنَا ابْنُ سِتَّةِ أَعْوَامٍ مَعَ أَنِّي كُنْتُ إِذَّاكَ أَرُوحُ إِلَى مَكْتَبِ النَّصَارَى لِأَقْرَأَ دِينَهُمْ ثُمَّ أَرْجِعَ إِلَى بَيْتِي فَيُعَلِّمَنِي وَالِدِي دِينَ الْإِسْلَامِ فَكُنْتُ أَتَعَلَّمُ فِيهِمَا (كَذَا) مَعًا وَسِنِّي حِينَ حُمِلْتُ إِلَى مَكْتَبِهِمْ أَرْبَعَةُ أَعْوَامٍ فَأَخَذَ وَالِدِي لَوْحًا مِنْ عُودِ الْجَوْزِ كَأَنِّي أَنْظُرُ الْآنَ إِلَيْهِ مُمَلَّسًا مِنْ غَيْرِ طَفَلٍ (اسْمٌ لِطِينٍ يَابِسٍ وَهُوَ طِينٌ لَزِجٌ وَلَيْسَتْ بِعَرَبِيَّةٍ وَعَرَبِيَّتُهُ طُفَالٌ كَغُرَابٍ) ، فَكتب لي فِيهِ حُرُوفِ الْهِجَاءِ وَهُوَ يَسْأَلُنِي عَنْ حُرُوفِ
(١) مخطوط عِنْدِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute