وَقَوْلُهُ: طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: هُمْ طَوَّافُونَ، يَعُودُ عَلَى الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ.
وَالْكَلَامُ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ، أَيْ إِنَّمَا رَفَعَ الْجُنَاحَ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْكُمْ فِي الدُّخُولِ بِدُونِ اسْتِئْذَانٍ بَعْدَ تِلْكَ الْأَوْقَات الثَّلَاثَة لأَنهم طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ فَلَوْ وَجَبَ أَنْ يَسْتَأْذِنُوا كَانَ ذَلِكَ حَرَجًا عَلَيْهِمْ وَعَلَيْكُمْ.
وَفِي الْكَلَامِ اكْتِفَاءٌ. تَقْدِيرُهُ: وَأَنْتُمْ طَوَّافُونَ عَلَيْهِمْ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ وَقَوْلُهُ عَقِبَهُ: بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ.
وبَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ أَيْضًا. وَيُجْعَلُ بَعْضُكُمْ مُبْتَدَأً، وَيَتَعَلَّقُ قَوْلُهُ: عَلى بَعْضٍ بحبر مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: طَوَّافٌ عَلَى بَعْضٍ. وَحُذِفَ الْخَبَرُ وَبَقِيَ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ وَهُوَ كَوْنٌ خَاصٌّ حُذِفَ لِدَلَالَةِ طَوَّافُونَ عَلَيْهِ. وَالتَّقْدِيرُ: بَعْضُكُمْ طَوَّافٌ عَلَى بَعْضٍ. وَلَا يَحْسُنُ مَنْ جَعَلَ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ بَدَلًا مِنَ الْوَاوِ فِي طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ لِأَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ
فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُبْدَلَ مِنْهُ بَعْضُ الْمُخَاطَبِينَ وَهُمْ لَيْسُوا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ إِلَّا بِتَقْدِيرٍ.
وَقَوْلُهُ: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ أَيْ مِثْلَ ذَلِكَ الْبَيَانِ الَّذِي طَرَقَ أَسْمَاعَكُمْ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ، فَبَيَانُهُ بَالِغٌ الْغَايَةَ فِي الْكَمَالِ حَتَّى لَوْ أُرِيدَ تَشْبِيهُهُ لَمَا شُبِّهَ إِلَّا بِنَفْسِهِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٤٣] .
وَالتَّعْرِيفُ فِي الْآياتِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ. وَالْمُرَادُ بِالْآيَاتِ الْقُرْآنُ فَإِنَّ مَا يَقَعُ فِيهِ إِجْمَالٌ مِنْهَا يُبَيَّنُ بِآيَاتٍ أُخْرَى، فَالْآيَاتُ الَّتِي أَوَّلُهَا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ جَاءَت بَيَانا لآيَات يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ [النُّور:
٢٧] .
وَجُمْلَةُ: وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ مُعْتَرِضَةٌ. وَالْمَعْنَى: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ بَيَانًا كَامِلًا وَهُوَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، فَبَيَانُهُ بَالِغٌ غَايَةَ الْكَمَالِ لَا مَحَالَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute