للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَوَاعِظِ الْوَحْيِ. وَلِلْإِشَارَةِ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى عَدَلَ عَنِ الْإِضْمَارِ إِلَى الْإِظْهَارِ فِي قَوْلِهِ عَلَى الْكافِرِينَ. وَجَعَلَ تَؤُزُّهُمْ حَالًا مُقَيَّدًا لِلْإِرْسَالِ لِأَنَّ الشَّيَاطِينَ مُرْسَلَةٌ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَحْفَظُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ كَيْدِ الشَّيَاطِينَ عَلَى حَسْبِ قُوَّةِ الْإِيمَانِ وَصَلَاحِ الْعَمَلِ، قَالَ تَعَالَى: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ [الْحجر: ٤٢] .

وَفُرِّعَ عَلَى هَذَا الِاسْتِئْنَافِ وَهَذِهِ التَّسْلِيَةِ قَوْلُهُ: فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ أَيْ فَلَا تَسْتَعْجِلِ

الْعَذَابَ لَهُمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا، وَعُبِّرَ بِ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ مُعَدًّى بِحَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ إِكْرَامًا لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الَّذِي هَلَاكُهُمْ بِيَدِهِ. فَنَهَى عَنْ تَعْجِيلِهِ بِهَلَاكِهِمْ. وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى قَبُولِ دُعَائِهِ عِنْدَ رَبِّهِ، فَلَوْ دَعَا عَلَيْهِمْ بِالْهَلَاكِ لِأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ كَيْلَا يَرُدَّ دَعْوَةَ نَبِيئِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ يُقَالُ: عَجِلَ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا، أَيْ أَسْرَعَ بِتَسْلِيطِهِ عَلَيْهِ، كَمَا يُقَالُ: عَجِلَ إِلَيْهِ إِذَا أَسْرَعَ بِالذَّهَابِ إِلَيْهِ كَقَوْلِهِ: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى [طه: ٨٤] ، فَاخْتِلَافُ حُرُوفِ تَعْدِيَةِ فعل عجل ينبىء عَنِ اخْتِلَافِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ بِالتَّعْجِيلِ.

وَلَعَلَّ سَبَبَ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ قَوْله تَعَالَى: وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ فِي سُورَةِ الْأَحْقَافِ [٣٥] أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا اسْتِعْجَالُ الِاسْتِئْصَالِ وَالْإِهْلَاكِ وَهُوَ مُقَدَّرٌ كَوْنُهُ عَلَى يَدِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلِذَلِكَ قِيلَ هُنَا: فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ، أَيِ انْتَظِرْ يَوْمَهُمُ الْمَوْعُودَ، وَهُوَ يَوْمُ بَدْرٍ، وَلِذَلِكَ عُقِّبَ بِقَوْلِهِ: إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا، أَيْ نُنْظِرُهُمْ وَنُؤَجِّلُهُمْ، وَأَنَّ الْعَذَابَ الْمَقْصُودَ فِي سُورَةِ الْأَحْقَافِ هُوَ عَذَابُ الْآخِرَةِ لِوُقُوعِهِ فِي خِلَالِ الْوَعِيدِ لَهُمْ بِعَذَابِ النَّارِ لِقَوْلِهِ هُنَالِكَ: وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ [الْأَحْقَاف: ٣٤، ٣٥] .