وَقَرَأَ نَافِعٌ وَحْدَهُ لِيَحْزُنَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ فَيَكُونُ الَّذِينَ آمَنُوا مَفْعُولًا.
وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمَّ الزَّاي مضارع حزم فَيَكُونُ الَّذِينَ آمَنُوا فَاعِلًا وَهُمَا لُغَتَانِ.
وَجُمْلَةُ وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ إِلَخْ مُعْتَرِضَةٌ.
وَضَمِيرُ الرَّفْعِ الْمُسْتَتِرُ فِي قَوْلِهِ: بِضارِّهِمْ عَائِدٌ إِلَى الشَّيْطانِ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَضُرُّ الْمُؤْمِنِينَ بِالنَّجْوَى أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهُ يُحْزِنُهُمْ. فَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً [آل عمرَان: ١١١] أَوْ عَائِدٌ إِلَى النَّجْوَى بِتَأْوِيلِهِ بِالتَّنَاجِي، أَيْ لَيْسَ التَّنَاجِي بِضَارِّ الْمُؤْمِنِينَ لِأَن أَكْثَره ناشىء عَنْ إِيهَامِ حُصُولِ مَا يَتَّقُونَهُ فِي الْغَزَوَاتِ.
وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ فَالِاسْتِثْنَاءُ بِقَوْلِهِ: إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ أَحْوَالٍ وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، أَيْ إِلَّا فِي حَالِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدَّرَ شَيْئًا مِنَ الْمَضَرَّةِ مِنْ هَزِيمَةٍ أَوْ قَتْلٍ. وَالْمُرَادُ بِالْإِذْنِ أَمْرُ التَّكْوِينِ.
وَانْتَصَبَ شَيْئاً عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ، أَيْ شَيْئًا مِنَ الضُّرِّ.
وَوُقُوعُ شَيْئاً وَهُوَ ذِكْرُهُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ يُفِيدُ عُمُومَ نَفْيِ كُلِّ ضُرٍّ مِنَ الشَّيْطَانِ، أَيِ انْتَفَى كُلُّ شَيْءٍ مِنْ ضُرِّ الشَّيْطَانِ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَشْمَلُ ضُرَّ النَّجْوَى وَضُرَّ غَيْرِهَا، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ مِنْ عُمُومِ شَيْئاً الْوَاقِعُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ، أَيْ لَا ضُرًّا مُلَابِسًا لِإِذْنِ اللَّهِ فِي أَنْ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ ضُرَّهُ فِيهِ، أَيْ ضُرَّ وَسْوَسَتِهِ.
وَاسْتُعِيرَ الْإِذْنُ لِمَا جَعَلَهُ اللَّهُ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ مِنْ تَأَثُّرِ النُّفُوسِ بِمَا يُسَوِّلُ إِلَيْهَا. وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ [الْحجر:
٤٢] فَإِذَا خَلَّى اللَّهُ بَيْنَ الْوَسْوَسَةِ وَبَيْنَ الْعَبْدِ يَكُونُ اقْتِرَابُ الْعَبْدِ مِنَ الْمَعَاصِي الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ فِي كُلِّ حَالَةٍ يَبْتَعِدُ فِيهَا الْمُؤْمِنُ عَنْ مُرَاقَبَةِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ الشَّرْعِيَّيْنِ. وَهَذَا الضُّرُّ هُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالسُّلْطَانِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي شَأْنِ الشَّيْطَانِ إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ أَيْ فَلَكَ عَلَيْهِ سُلْطَانٌ. وَهَذِهِ التَّصَارِيفُ الْإِلَهِيَّةُ جَارِيَةٌ عَلَى وَفْقِ حِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا يُعلمهُ من أَحْوَال عِبَادِهِ وَسَرَائِرِهِمْ وَهُوَ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute