للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيُسْتَعْمَلُ فِي قُرْبِ الزَّمَانِ بِتَشْبِيهِ الزَّمَانِ بِالْمَكَانِ كَمَا هُنَا وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٢٥٥] .

وَالْإِشَارَةُ بِ ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ إِلَى التَّقْدِيمِ الْمَفْهُومِ مِنْ «قَدَّمُوا» عَلَى طَرِيقَةِ قَوْلِهِ:

اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى [الْمَائِدَة: ٨] .

وَقَوْلُهُ: ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ تَعْرِيفٌ بِحِكْمَةِ الْأَمْرِ بِالصَّدَقَةِ قَبْلَ نجوى الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَرْغَبَ فِيهَا الرَّاغِبُونَ.

وخَيْرٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمَ تَفْضِيلٍ، أَصْلُهُ: أَخْيَرُ وَهُوَ الْمُزَاوِجُ لِقَوْلِهِ: وَأَطْهَرُ أَيْ ذَلِكَ أَشَدُّ خَيْرِيَّةً لَكُمْ مِنْ أَنْ تناجوا الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدُونِ تَقْدِيمِ صَدَقَةٍ، وَإِنْ كَانَ فِي كُلٍّ خَيْرٌ. كَقَوْلِهِ: وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [الْبَقَرَة: ٢٧١] .

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمًا عَلَى وَزْنِ فَعْلٍ وَهُوَ مُقَابِلُ الشَّرِّ، أَيْ تَقْدِيمُ الصَّدَقَةِ قَبْلَ النَّجْوَى فِيهِ خَيْرٌ لَكُمْ وَهُوَ تَحْصِيلُ رِضَى اللَّهِ تَعَالَى فِي حِينِ إِقْبَالِهِمْ على رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَحْصُلُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْمُنَاجَاةِ مَا لَا يَحْصُلُ مِثْلُهُ بِدُونِ تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ.

وَأَمَّا أَطْهَرُ فَهُوَ اسْمُ تَفْضِيلٍ لَا مَحَالَةَ، أَيْ أَطْهَرُ لَكُمْ بِمَعْنَى: أَشَدُّ طُهْرًا، وَالطُّهْرُ هُنَا مَعْنَوِيٌّ، وَهُوَ طُهْرُ النَّفْسِ وَزَكَاؤُهَا لِأَنَّ الْمُتَصَدِّقَ تَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ أَنْوَارٌ رَبَّانِيَّةٌ مِنْ رِضَى اللَّهِ عَنْهُ فَتَكُونُ نَفْسُهُ زَكِيَّةً كَمَا قَالَ تَعَالَى: تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها [التَّوْبَة: ١٠٣] . وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الصَّدَقَةُ زَكَاةً.

وَصِفَةُ هَذِهِ الصَّدَقَةِ أَنَّهَا كَانَتْ تُعْطَى لِلْفَقِيرِ حِينَ يَعْمِدُ الْمُسْلِمُ إِلَى الذَّهَابِ إِلَى النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُنَاجِيَهُ.

وَعَذَرَ اللَّهُ الْعَاجِزِينَ عَنْ تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أَيْ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تَتَصَدَّقُونَ بِهِ قَبْلَ النَّجْوَى غَفَرَ اللَّهُ لَكُمُ الْمَغْفِرَةَ الَّتِي كَانَتْ تَحْصُلُ لَكُمْ لَوْ تَصَدَّقْتُمْ لِأَنَّ مَنْ نَوَى أَنْ يَفْعَلَ الْخَيْرَ لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ عَلَى نِيَّتِهِ.

وَأَمَّا اسْتِفَادَةُ أَنَّ غَيْرَ الْوَاجِدِ لَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي النَّجْوَى بِدُونِ صَدَقَةٍ فَحَاصِلَةٌ