مِنْهُمْ وَالْمَعْنَى: إِذْ قُلُوبُ الَّذِينَ تُنْذِرُهُمْ، يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ، فَأَمَّا قُلُوبُ الصَّالِحِينَ يَوْمَئِذٍ فَمُطْمَئِنَّةٌ.
وَالْقُلُوبُ: الْبَضْعَاتُ الصُّنُوبَرِيَّةُ الَّتِي تَتَحَرَّكُ حَرَكَةً مُسْتَمِرَّةً مَا دَامَ الْجِسْمُ حَيًّا فَتَدْفَعُ الدَّمَ إِلَيَّ الشَّرَايِينِ الَّتِي بِهَا حَيَاةُ الْجِسْمِ.
وَالْحَنَاجِرُ: جَمْعُ حَنْجَرَةٍ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَهِيَ الْحُلْقُومُ. وَمَعْنَى الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ: أَنَّ الْقُلُوبَ يَشْتَدُّ اضْطِرَابُ حَرَكَتِهَا مِنْ فَرْطِ الْجزع مِمَّا يُشَاهِدهُ أَهْلُهَا مِنْ بَوَارِقِ الْأَهْوَالِ حَتَّى تَتَجَاوَزَ الْقُلُوبُ مَوَاضِعَهَا صَاعِدَةً إِلَى الْحَنَاجِرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي ذِكْرِ يَوْمِ الْأَحْزَابِ: وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ [الْأَحْزَاب: ١٠] .
وَكَاظِمٌ: اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ كَظَمَ كُظُومًا، إِذَا احْتَبَسَ نَفَسُهُ (بِفَتْحِ الْفَاءِ) . فَمَعْنَى كاظِمِينَ: اكنين لَا يَسْتَطِيعُونَ كَلَامًا. فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لَا يُقَدَّرُ لِ كاظِمِينَ مَفْعُولٌ لِأَنَّهُ عُومِلَ مُعَامَلَةَ الْفِعْلِ اللَّازِمِ. وَيُقَالُ: كَظَمَ كَظْمًا، إِذا سدّ شَيْئا مَجْرَى مَاءٍ أَوْ بَابًا أَوْ طَرِيقًا فَهُوَ كَاظِمٌ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمَفْعُولُ مُقَدَّرًا. وَالتَّقْدِيرُ: كَاظِمِينَهَا، أَيْ كَاظِمِينَ حَنَاجِرَهُمْ إِشْفَاقًا مِنْ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا قُلُوبُهُمْ مِنْ شِدَّةِ الِاضْطِرَابِ. وَانْتَصَبَ كاظِمِينَ عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْغَائِبِ فِي قَوْلِهِ: أَنْذِرْهُمْ عَلَى أَنَّ الْحَالَ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْقُلُوبِ عَلَى الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ بِإِسْنَادِ الْكَاظِمِ إِلَى الْقُلُوبِ وَإِنَّمَا الْكَاظِمُ أَصْحَابُ الْقُلُوبِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ [الْبَقَرَة: ٧٩] وَإِنَّمَا الْكَاتِبُونَ هُمْ بِأَيْدِيهِمْ.
وَجُمْلَةُ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ فِي مَوْضِعِ بَدَلِ اشْتِمَالٍ مِنْ جُمْلَةِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ لِأَنَّ تِلْكَ الْحَالَةَ تَقْتَضِي أَنْ يَسْتَشْرِفُوا إِلَى شَفَاعَةِ مَنِ اتَّخَذُوهُمْ
لِيَشْفَعُوا لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ فَلَا يَلْفَوْنَ صَدِيقًا وَلَا شَفِيعًا. وَالْحَمِيمُ: الْمُحِبُّ الْمُشْفِقُ.
والتعريف فِي لِلظَّالِمِينَ لِلِاسْتِغْرَاقِ لِيَعُمَّ كُلَّ ظَالِمٍ، أَيْ مُشْرِكٍ فَيَشْمَلُ الظَّالِمِينَ الْمُنْذَرِينَ، وَمَنْ مَضَى مِنْ أَمْثَالِهِمْ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ التَّذْيِيلِ وَلِذَلِكَ فَلَيْسَ ذِكْرُ الظَّالِمِينَ مِنَ الْإِظْهَارِ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute