وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: يَسْتَطِيعُ بِيَاءِ الْغَيْبَةِ وَرَفْعِ رَبُّكَ. وَقَرَأَهُ الْكِسَائِيُّ هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ- بِتَاءِ الْمُخَاطَبِ وَنَصْبِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ- مِنْ قَوْلِهِ رَبُّكَ عَلَى أَنَّ رَبُّكَ مَفْعُولٌ بِهِ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى هَلْ تَسْأَلُ لَنَا رَبَّكَ، فَعَبَّرَ بِالِاسْتِطَاعَةِ عَنْ طَلَبِ الطَّاعَةِ، أَيْ إِجَابَةِ السُّؤَالِ. وَقِيلَ: هِيَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ هَلْ تَسْتَطِيعُ سُؤَالَ رَبِّكَ، فَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَ الْمُضَافِ فِي إِعْرَابِهِ. وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ الْحَوَارِيُّونَ أَعْلَمَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَنْ يَقُولُوا: هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ، وَلَكِنْ قَالُوا: هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ. وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَقْرَأْنَا النَّبِيءُ هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ.
وَاسْمُ مائِدَةً هُوَ الْخِوَانُ الْمَوْضُوعُ عَلَيْهِ طَعَامٌ، فَهُوَ اسْمٌ لِمَعْنًى مُرَكَّبٍ يَدُلُّ عَلَى طَعَامٍ وَمَا يُوضَعُ عَلَيْهِ. وَالْخِوَانُ- بِكَسْرِ الْخَاءِ وَضَمِّهَا- تَخْتٌ مِنْ خَشَبٍ لَهُ قَوَائِمُ مَجْعُولٌ لِيُوضَعَ عَلَيْهِ الطَّعَامُ لِلْأَكْلِ، اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ مُعَرَّبٌ. قَالَ الْجَوَالِيقِيُّ: هُوَ أَعْجَمِيٌّ.
وَفِي حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا أَكَلَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خِوَانٍ قَطُّ، وَلَا فِي سُكْرُجَةٍ، قَالَ قَتَادَةُ: قُلْتُ لِأَنَسٍ: فَعَلَامَ كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ قَالَ: عَلَى السُّفَرِ،
وَقِيلَ: الْمَائِدَةُ اسْمُ الطَّعَامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي وِعَاءٍ وَلَا عَلَى خِوَانٍ. وَجَزَمَ بِذَلِكَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَلَعَلَّهُ مَجَازٌ مُرْسَلٌ بِعَلَاقَةِ الْمَحَلِّ. وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهُ لَمْ تَكُنْ لِلْعَرَبِ مَوَائِدُ إِنَّمَا كَانَتْ لَهُمُ السُّفْرَةُ. وَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الضَّبِّ: لَوْ كَانَ حَرَامًا مَا أُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولِ اللَّهِ، إِنَّمَا يُعْنَى بِهِ الطَّعَامُ الْمَوْضُوعُ عَلَى سُفْرَةٍ. وَاسْمُ السُّفْرَةِ غَلَبَ إِطْلَاقُهُ عَلَى وِعَاءٍ مِنْ أَدِيمٍ مُسْتَدِيرٍ لَهُ مَعَالِيقُ ليرْفَع بهَا إِذْ أُرِيدَ السَّفَرُ بِهِ. وَسُمِّيَتْ سُفْرَةً لِأَنَّهَا يَتَّخِذُهَا الْمُسَافِرُ.
وَإِنَّمَا سَأَلَ الْحَوَارِيُّونَ كَوْنَ الْمَائِدَةِ مُنَزَّلَةً مِنَ السَّمَاءِ لِأَنَّهُمْ رَغِبُوا أَنْ تَكُونَ خَارِقَةً لِلْعَادَةِ فَلَا تَكُونُ مِمَّا صُنِعَ فِي الْعَالَمِ الْأَرْضِيِّ فَتَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ مِنْ عَالَمٍ عُلْوِيٍّ.
وَقَوْلُ عِيسَى حِينَ أَجَابَهُمُ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أَمْرٌ بِمُلَازَمَةِ التَّقْوَى وَعَدَمِ تَزَلْزُلِ الْإِيمَانِ، وَلِذَلِكَ جَاءَ بِ أَنْ الْمُفِيدَةِ لِلشَّكِّ فِي الْإِيمَانِ لِيَعْلَمَ الدَّاعِي إِلَى ذَلِكَ السُّؤَالِ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ نَشَأَ لَهُمْ عَنْ شَكٍّ فِي صِدْقِ رَسُولِهِمْ، فَسَأَلُوا مُعْجِزَةً يَعْلَمُونَ بِهَا صِدْقَهُ بَعْدَ أَنْ آمَنُوا بِهِ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى لِإِبْرَاهِيمَ الْمَحْكِيِّ فِي قَوْلِهِ: قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute