الْآيَاتُ الْخَمْسُ مِنْ سُورَةِ الْعَلَقِ فَإِنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ يُسَمَّى قُرْآنًا، وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ فَالتَّعْبِيرُ بِالْمُضِيِّ فِي فِعْلِ أَنْزَلْناهُ لَا مَجَازَ فِيهِ. وَقِيلَ: أُطْلِقَ ضَمِيرُ الْقُرْآنِ عَلَى بَعْضِهِ مَجَازًا بِعَلَاقَةِ الْبَعْضِيَّةِ.
وَالْآيَةُ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ الْآيَاتِ الْأُوَلَ مِنَ الْقُرْآنِ نَزَلَتْ لَيْلًا وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ حَدِيثُ بَدْءِ الْوَحْيِ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» لِقَوْلِ عَائِشَةَ فِيهِ: «فَكَانَ يَتَحَنَّثُ فِي غَارِ حِرَاءٍ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعِدَدِ» فَكَانَ تَعَبُّدُهُ لَيْلًا، وَيَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ الْمَلَكُ قَدْ نَزَلَ عَلَيْهِ إِثْرَ فَرَاغِهِ مِنْ تَعَبُّدِهِ، وَأَمَّا قَوْلُ عَائِشَةَ: «فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ» فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ غَارِ حِرَاءٍ إِثْرَ الْفَجْرَ
بَعْدَ انْقِضَاءِ تَلْقِينِهِ الْآيَاتِ الْخَمْسِ إِذْ يَكُونُ نُزُولُهَا عَلَيْهِ فِي آخِرِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَذَلِكَ أَفْضَلُ أَوْقَاتِ اللَّيْلِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ [آل عمرَان: ١٧] .
وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ: اسْمٌ جَعَلَهُ اللَّهُ لِلَّيْلَةِ الَّتِي ابْتُدِئَ فِيهَا نُزُولُ الْقُرْآنِ. وَيَظْهَرُ أَنَّ أَوَّلَ تَسْمِيَتِهَا بِهَذَا الِاسْمِ كَانَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَلَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَبِذَلِكَ يَكُونُ ذِكْرُهَا بِهَذَا الِاسْمِ تَشْوِيقًا لِمَعْرِفَتِهَا وَلذَلِك عقب بقوله: وَما أَدْراكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ [الْقَدْرِ: ٢] .
وَالْقَدْرُ الَّذِي عُرِّفَتِ اللَّيْلَةُ بِالْإِضَافَةِ إِلَيْهِ هُوَ بِمَعْنَى الشَّرَفِ وَالْفَضْلِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الدُّخَانِ [٣] : إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ، أَيْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَالشَّرَفِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا أَعْطَاهَا مِنَ الْبَرَكَةِ فَتِلْكَ لَيْلَةٌ جَعَلَ اللَّهُ لَهَا شَرَفًا فَجَعَلَهَا مَظْهَرًا لِمَا سَبَقَ بِهِ عِلْمَهُ فَجَعَلَهَا مَبْدَأَ الْوَحْيِ إِلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالتَّعْرِيفُ فِي الْقَدْرِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ. وَلَمْ يَقُلْ: فِي لَيْلَةِ قَدْرٍ، بِالتَّنْكِيرِ لِأَنَّهُ قَصَدَ جَعْلَ هَذَا الْمُرَكَّبَ بِمَنْزِلَةِ الْعَلَمِ لِتِلْكَ اللَّيْلَةِ كَالْعَلَمِ بِالْغَلَبَةِ، لِأَنَّ تَعْرِيفَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ بِاللَّامِ مَعَ تَعْرِيفِ الْمُضَافِ بِالْإِضَافَةِ أَوْغَلُ فِي جَعْلِ ذَلِكَ الْمُرَكَّبِ لَقَبًا لِاجْتِمَاعِ تَعْرِيفَيْنِ فِيهِ.
وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ ابْتِدَاءَ نُزُولِ الْقُرْآنِ كَانَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ قَالَ تَعَالَى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ [الْبَقَرَة: ١٨٥] . وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ إِذْ كَانَ نُزُولُ هَذِهِ السُّورَةِ قَبْلَ نُزُولِ سُورَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute